الدعاء بين الرجاء والتعدي: فقه الأدب مع الله

بقلم/ سالي جابر
التعدّي في الدعاء: هو مجاوزة حدود الأدب مع الله تعالى، سواء بطلب ما لا يجوز شرعًا، أو باستخدام ألفاظ لا تليق بجلاله، أو الدعاء بما فيه سخرية أو ظلم أو تجاوز في الطلب.
الأدلة من القرآن الكريم:
1- قول الله تعالى:
﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
[سورة الأعراف: 55-56]
الآية واضحة أن الله “لا يحب المعتدين”، وقد فسر العلماء أن من المعتدين من يتعدى في الدعاء.
الأدلة من السنة النبوية الصحيحة:
1-حديث: “سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور”
روى هذا الحديث الإمام أبو داود (رقم 96)، وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
وفيه أن النبي ﷺ قال:
“سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور”.
أي يطلبون في الدعاء ما لا يليق أو يبالغون في الطهارة إلى حد الوسوسة، وكلاهما مذموم.
2- حديث عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه
قال: سمع النبي ﷺ ابنًا له يقول: “اللهم إني أسألك القصر الأبيض في الجنة عن يمينك إذا دخلتها”، فقال:
“أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور”.
رواه أبو داود (رقم 96) وصححه الألباني.
دعاء الولد فيه نوع تعدٍ لأنه يطلب شيئًا دقيقًا جدًا كأن له الحق في اختياره، دون تفويض الأمر لله.
أمثلة على التعدّي في الدعاء:
1- طلب ما لا يجوز شرعًا
مثال: أن يدعو أحدهم أن يُخلّد في الدنيا أو أن يُنزّل عليه الوحي!
هذا تعدٍ صريح لأنه ينافي حكمة الله وسننه.
2- دعاء على النفس أو الأهل بالموت أو الشر
قال النبي ﷺ: “لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم”
رواه مسلم (3014) – حديث صحيح.
3- المبالغة في الوصف أو الطلب بتكلف غير لائق
مثال: “اللهم اجعلني نبيًا” أو “اجعلني لا أموت أبدًا”.
4- عدم التأدب في الألفاظ أو رفع الصوت بالصراخ
كيف نتجنب التعدّي في الدعاء؟
– ندعي بأدعية مأثورة من القرآن والسنة.
-نلتزم بالأدب والتواضع في الألفاظ.
– نقدّم بين يدي دعائنا الثناء على الله والصلاة على النبي.
– نسلّم الأ لله، وادعي بما شئت دون إسراف أو سخرية.
أقوال محددة لعلماء أزهريين:
1-الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا
قال في فتاواه:
“من التعدي أن يدعو الإنسان بما لا يليق بجلال الله، كأن يدعو بأمور مستحيلة أو محرمة أو يتطاول في ألفاظه، أو يطلب من الله شيئًا لم يُشرع طلبه، أو يدعو على النفس أو المال أو الأهل دون سبب، وقد نهى النبي ﷺ عن ذلك.”
المصدر: فتاوى الأزهر، دار المعارف، مجلد الدعاء.
2-الشيخ محمد متولي الشعراوي – رحمه الله
قال في تفسيره لقوله تعالى ﴿إنه لا يحب المعتدين﴾:
“حتى في الدعاء لا يجوز لك أن تعتدي، كأن تقول: يا رب ارزقني الفردوس الأعلى وحدي! أو يا رب اجعلني فوق الملائكة! هذا تعدٍّ، لأنك تجاوزت حدود الأدب والقدَر.”
المصدر: خواطر الشيخ الشعراوي – تفسير سورة الأعراف.
4- الشيخ جاد الحق علي جاد الحق – شيخ الأزهر الأسبق
“دعاء العبد يجب أن يكون خاضعًا خاشعًا، فيه من الأدب ما يليق بالمقام، ومن التواضع ما يُظهر افتقار العبد لخالقه، والتعدي في الدعاء مرفوض لأنه يطعن في الأدب مع الله.”
المصدر: مجموع فتاوى الشيخ جاد الحق – مجلد العبادات
5- دار الإفتاء المصرية – فتوى رسمية:
“التعدي في الدعاء مذموم شرعًا، وقد بيّنته السنة، ومن صور التعدي: الدعاء بما يخالف الشرع أو الحكمة، أو استخدام ألفاظ خارجة عن الوقار والخضوع. وينبغي الالتزام بأدب الدعاء المشروع كما ورد في الكتاب والسنة.”
المصدر: دار الإفتاء المصرية – فتوى رقم 7785، على الموقع الرسمي.
قال ابن القيم رحمه الله:
“الدعاء هو العبادة، وكلما كان القلب أنقى، واللسان أصدق، والدعاء ألطف وأدبًا، كانت الإجابة أقرب.”
فلنحرص أن يكون دعاؤنا خاشعًا، متأدبًا، لا نتجاوز فيه حدًّا، ولا نعتدي على رحمة الله، فهو أرحم بنا من أنفسنا.