بقلم : جمال حشاد
تُعدّ جودة التعليم والتعلّم من الركائز الأساسية التي تقوم عليها نهضة المجتمعات وتقدّمها، إذ تمثّل المؤسسات التعليمية المحرّك الرئيس لإعداد الإنسان القادر على الإبداع والمنافسة ومواجهة تحديات العصر. فكلما ارتفع مستوى جودة التعليم والتعلّم داخل المؤسسات التعليمية، انعكس ذلك إيجابًا على كفاءتها الداخلية، ورسالتها المجتمعية، وقدرتها على تحقيق التنمية المستدامة. ولم يعد التعليم في العصر الحديث مقتصرًا على نقل المعرفة فحسب، بل أصبح عملية متكاملة تهدف إلى بناء الشخصية، وتنمية المهارات، وترسيخ القيم.
وتتمثل جودة التعليم في مجموعة من المعايير التي تشمل وضوح الأهداف التعليمية، وكفاءة المعلمين، وملاءمة المناهج، وتوافر البيئة التعليمية الداعمة، واستخدام أساليب تقويم فعّالة. أما جودة التعلّم فترتبط بمدى تحقيق المتعلّم للنواتج التعليمية المرجوّة، وقدرته على توظيف المعرفة في الواقع العملي، وتنمية مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات. وعندما تلتقي جودة التعليم مع جودة التعلّم، تتحقق النهضة الحقيقية داخل المؤسسات التعليمية.
كما تلعب المناهج الدراسية دورًا محوريًا في تحقيق جودة التعليم، إذ ينبغي أن تكون مرنة، متجددة، ومواكبة لمتطلبات العصر وسوق العمل. فالمناهج التي تركز على الحفظ والتلقين تُضعف دور المتعلّم وتحدّ من قدراته الإبداعية، بينما المناهج التي تعتمد على الفهم، والتطبيق، والبحث، والتعلّم النشط تسهم في إعداد متعلّمين قادرين على الابتكار والتطوير. ومن هنا، فإن تحديث المناهج باستمرار يُعدّ مؤشرًا أساسيًا على تقدّم المؤسسات التعليمية ونهضتها.
كما يُعدّ المعلم عنصرًا جوهريًا في جودة العملية التعليمية، فهو القائد والموجّه والمحفّز للتعلّم. فالمعلم الكفء القادر على استخدام استراتيجيات تدريس حديثة، وتوظيف التكنولوجيا التعليمية، ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلّمين، يسهم بشكل مباشر في تحسين جودة التعلّم. ولا يمكن تحقيق نهضة تعليمية حقيقية دون الاستثمار في إعداد المعلمين وتدريبهم المستمر، ورفع مكانتهم المهنية والاجتماعية.
ويمكن أن تسهم البيئة التعليمية الجاذبة في تعزيز جودة التعليم والتعلّم، حيث تشمل هذه البيئة البنية التحتية المناسبة، والتجهيزات الحديثة، والمناخ النفسي الإيجابي القائم على الاحترام والتعاون. فالطالب الذي يتعلّم في بيئة آمنة ومحفّزة يكون أكثر استعدادًا للتعلّم والمشاركة الفاعلة. كما أن دمج التكنولوجيا في التعليم، مثل استخدام المنصات الرقمية، والتعلّم الإلكتروني، والوسائط المتعددة، أصبح من أهم متطلبات الجودة في المؤسسات التعليمية الحديثة.
وتنعكس جودة التعليم والتعلّم بشكل مباشر على تقدّم المؤسسات التعليمية وسمعتها، إذ تسهم في تحسين مخرجات التعليم، ورفع نسب النجاح، وتقليل معدلات التسرب، وتعزيز ثقة المجتمع في هذه المؤسسات. كما تؤدي إلى تخريج كوادر بشرية مؤهلة تمتلك المعرفة والمهارات والقيم اللازمة للمشاركة في بناء المجتمع وتنميته. وبذلك تتحول المؤسسة التعليمية إلى مركز للإشعاع الفكري والثقافي، وقاطرة للتنمية الشاملة.
وفي الختام، يمكن القول إن جودة التعليم والتعلّم ليست خيارًا ثانويًا، بل ضرورة حتمية لتحقيق النهضة بالمؤسسات التعليمية وتقدّمها. فهي الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الأفراد والمجتمعات، والاستثمار الحقيقي الذي يضمن التنمية المستدامة. ومن هنا، فإن الاهتمام بتحسين جودة التعليم والتعلّم، من خلال تطوير المناهج، وتأهيل المعلمين، وتحسين البيئة التعليمية، يُعدّ الطريق الأمثل نحو مؤسسات تعليمية رائدة قادرة على مواكبة تحديات العصر وصناعة مستقبل أفضل.
