…اللعنة التى لا تموت…
بقلم… أحمد رشدى
في عمق غابة موحشة تكسوها الضباب الكثيف وتغطيها أشجار عتيقة تبدو وكأنها تحفظ أسرار الزمان، تقع قرية مهجورة يُحكى عنها قصص مروعة يتوارثها السكان المجاورون جيلاً بعد جيل. يُقال إن لعنة غامضة أصابت أهلها، ليختفوا في ظروف غريبة، ولم يتجرأ أحد على زيارة القرية منذ حين
.سامر، شاب في مقتبل العمر يمتاز بجرأة مفرطة وعقل متقد، كان يعيش في القرية المجاورة. لكن قلبه كان مثقلاً ببؤس وألم دفين. فقد فُقدت أخته الجميلة ليلى منذ سنوات في ظروف غامضة، وكان يعتقد أن الحقيقة قد تكمن وراء أساطير القرية المهجورة التى طالما حدثته عنها وعن رغبتها في اكتشاف سرها. دفعه شوقه العميق وحاجته لإغلاق هذا الفصل المظلم من حياته، لاكتشاف ما حدث حقاً.ليلة شتوية، مع عاصفة رعدية قوية، قرر سامر أن يخوض المغامرة بغية مواجهة الماضي. حمل مصباحه القديم وقلبه المملوء بالخوف والرهبة، وشق طريقه نحو القرية الملعونة. كانت الرياح تعصف بحزم، وكأنها تحاول ثنيه عن المسير، لكن إرادته كانت أقوى.بين البيوت المتداعية وجدرانها المكسوة بالعفن، بدأت الأرواح المجهولة تحيط به. أصوات بكاء مكتوم، همسات حزينة تُشعره بأن قلب القرية ينبض بالألم والعذاب. وصل إلى منزل على هيئة كوخ خشبي قديم، شاهد ضوءاً خافتاً ينبعث من نافذة تحجبت عنها الستائر بصعوبة.ارتجفت يداه وهو يصعد الدرج المتهالك، وصوت أنفاسه المختلطة بالخوف والصمت كان يملأ الأجواء. في الغرفة، وجد ليلى، لكن ليست كما يتخيل. كانت روحاً محاصرة، شاحبة، ودموعها كأنها تعانق الظلام. نظرت إليه بعينين مليئتين بألم لوعة، وصوتها كان يخرق الصمت: “سامر… لقد حذرتني أن لا آتي… لكنني لم أستطع الفرار.”بينما كان يحاول الاقتراب منها، بدأت الأرض تهتز، وصرخات أخرى خرجت من جدران المنزل، أصوات أناس ضائعين تألموا بفعل اللعنة. تذكر سامر وعده لها بالعثور على الحقيقة، والآن كان عليه تحريرها أو البقاء معهم إلى الأبد.وفي لحظة حاسمة، واجه سامر الكيان الذي سبّب كل هذه المعاناة، روح مظلمة تسكن القرية وتحرس سر لعنة قديمة. بروحه المليئة بالحب والشجاعة، تحدى العتمة بالكلمات والصلاة، محاولاً كسر قيود اللعنة.حينها، تلاشى الظلام تدريجياً، وبدأت الروح تهدأ، وارتسمت بسمة أخيرة على وجه ليلى قبل أن تختفي ببطء تحت أشعة الفجر الأولى. خرج سامر من القرية ممتلئاً بألم الفقد، لكن بقلب أخف وروح أكثر قبولا، يحمل معه قصة حزينة لكنه تحرر من قيد الماضي، محذراً من أن هناك أماكن لا تليق إلا بالصمت، ولعنة لا ترفق بالفضوليين.
