“فوانيس رمضان.. نور الذكريات الذي لا ينطفئ”

تقرير ـ مها سمير
مع اقتراب شهر رمضان تتحول شوارع مصر إلى لوحات فنية مضيئة حيث تتدلى الفوانيس الملونة من الشرفات وتنتشر في الأسواق والأحياء الشعبية فتضفي على الأجواء روحًا رمضانية مميزة.
لكن وراء هذا المظهر البهيج تاريخ طويل يحمل في طياته حكايات من الماضي ارتبطت بالفانوس الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من تقاليد المصريين خلال الشهر الفضيل.
يعود تاريخ الفانوس الرمضاني إلى العصر الفاطمي وبالتحديد عام 969 ميلاديًا عندما دخل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة ليلًا في شهر رمضان آنذاك خرج الأهالي لاستقباله وهم يحملون المشاعل والفوانيس لإنارة الطريق ومنذ ذلك الحين أصبح الفانوس رمزًا ملازمًا للشهر الكريم في مصر.
وفي رواية أخرى كان الفاطميون يستخدمون الفوانيس لإضاءة الشوارع أثناء خروج الأطفال والنساء ليلًا إذ كانت قوانين الدولة تشترط أن يحمل كل من يخرج بعد غروب الشمس فانوسًا لإضاءة الطريق. ومع مرور الوقت تحول الأمر إلى تقليد رمضاني يميز مصر عن غيرها من الدول الإسلامية.
في البداية كانت الفوانيس تصنع من النحاس والزجاج الملون وكان الحرفيون في مناطق مثل الغورية والسيدة زينب وحي الحسين يتفننون في تصميمها بأشكال وأحجام متنوعة.
وكانت تضاء بالشموع قبل أن تتطور إلى فوانيس تعمل بمصابيح الزيت ثم بالكهرباء.
أما اليوم فقد تغيرت الصناعة بشكل كبير، حيث دخلت التكنولوجيا الحديثة على الخط وظهرت الفوانيس المصنوعة من البلاستيك والمضيئة بمصابيح LED والتي تصدر أنغام الأناشيد الرمضانية الشهيرة مثل “رمضان جانا” و”حلو يا حلو”.
كما ظهرت فوانيس على هيئة شخصيات كرتونية لجذب الأطفال لكن رغم ذلك لا يزال هناك إقبال كبير على الفوانيس التقليدية التي تحافظ على روح التراث.
لم يعد الفانوس مجرد زينة رمضانية بل أصبح رمزًا للفرحة والاحتفال حيث يحرص الأطفال على حمله أثناء ترديد الأناشيد الرمضانية في الشوارع فيما يستخدمه أصحاب المحلات والمطاعم لتزيين واجهاتهم.
و يظل الفانوس رمزًا للفرحة في قلوب الأطفال خلال شهر رمضان حيث يضيء لياليهم بوهجه الساحر. لحظة الحصول على الفانوس الأول تظل محفورة في الذاكرة خاصة عندما يصطحب الآباء أبناءهم لاختياره من الأسواق المزينة بالألوان المبهجة.
مع حلول المساء يجتمع الأطفال حاملين فوانيسهم يطوفون الشوارع مرددين الأغاني الرمضانية في مشهد يعكس براءة الطفولة وروح الشهر الكريم. ورغم تطور الأزمان يبقى الفانوس قطعة من الذكريات التي لا تنطفئ أبدًا.
كما ظهر الفانوس في العديد من الأعمال الفنية مثل الأفلام والمسلسلات التي تتناول أجواء رمضان إلى جانب الأغاني الرمضانية التي أصبحت جزءًا من التراث الشعبي المصري.
ومع بداية شهر شعبان تمتلئ الأسواق المصرية بمحلات بيع الفوانيس وأشهرها سوق الغورية في القاهرة الفاطمية حيث يمكن للزوار مشاهدة الحرفيين وهم يصنعون الفوانيس يدويًا في مشهد يعكس عبق التاريخ والتقاليد المتوارثة.
كما تنتشر الأسواق الموسمية في أحياء مثل السيدة زينب، والعتبة، والحسين، حيث يعرض التجار أشكالًا متنوعة من الفوانيس تتراوح بين التقليدي والحديث بأسعار تناسب جميع الفئات.
رغم أن الفانوس ارتبط بشكل أساسي بمصر إلا أن تأثيره امتد إلى العديد من الدول العربية حيث أصبح جزءًا من الزينة الرمضانية في بلدان مثل السعودية، والإمارات، وسوريا، وفلسطين وفي بعض الأسواق العربية يمكن العثور على فوانيس تحمل الطابع المصري خاصة تلك المصنوعة يدويًا والتي تُعتبر تحفًا تراثية فريدة.
و لا يزال الفانوس واحدًا من أجمل رموز شهر رمضان في مصر حيث يجمع بين الأصالة والتطور ويضفي أجواءً ساحرة على ليالي الشهر الفضيل.
ورغم تغير الزمن لا يزال الفانوس المصري محتفظًا برونقه الخاص كقطعة من الماضي المضيء تروي قصص الأجداد للأجيال الجديدة.