ذبح الأضاحي بين الرحمة والشريعة وتناقضات المنتقدين

د/ حمدان محمد
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تعود بعض الأصوات الغربية والعلمانية لتهاجم شعيرة الأضحية، متهمة المسلمين بسفك الدماء وممارسة القسوة ضد الحيوانات، وكأنهم وحدهم من يملكون مفاتيح الرحمة، وكأن الذبح صار “جريمة” بينما الجرائم الحقيقية تُرتكب في صمت مخزٍ لا يثير فيهم إنسانية ولا ضميرًا
فإن الأضحية في الإسلام ليست عادة همجية كما يصورها بعض الجاهلين، بل هي شعيرة عظيمة، قال تعالى:
“فصلِّ لربك وانحر” [الكوثر: 2]
وقال أيضًا:
“لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم” [الحج: 37]
وقال النبي ﷺ:
“ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم” [رواه ابن ماجه].
وقال أيضًا:
“ما عمل ابن آدم يوم النحر عملًا أحب إلى الله من إهراق الدم” [رواه الترمذي].
بل حتى في الذبح، جاء الإسلام بما لم يعرفه الغرب من إنسانية ورحمة، فقال النبي ﷺ:
“إذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة، وليُحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته” [رواه مسلم].
فأين القسوة في ذبح حيوان يُذبح ليؤكل، بطريقة تحفظ كرامته وتقلل ألمه، وفي ذات الوقت تطعم الفقير وتدخل السرور على المحتاج؟ ولكن العجيب أن هؤلاء المنتقدين أنفسهم يصمتون عن قتل الأبرياء في الحروب، وقصف النساء والأطفال في بيوتهم، وتجويع الشعوب، وسفك دماء آلاف المدنيين حول العالم بقرارات دولية مجرمة، لا تهزهم مشاهد الجثث والخراب والدمار، لكنهم فجأة “يستيقظون” على منظر دم أضحية تُوزع على الفقراء! أليس هذا تناقضًا صارخًا؟ أليس الأولى بالحديث عن الإنسانية أن يبدأ من يقصف الأطفال في فلسطين، أو من يدفن الضحايا في اليمن وسوريا والعراق؟ أليس الأَولى بالغضب من الذبح، أن يغضب أولًا من المجازر البشرية التي تُرتكب على مدار الساعة دون ذبح شرعي أو غيره؟ ثم من الناحية العلمية، فقد أثبت الطب البيطري الحديث أن الذبح الإسلامي أرحم للحيوان من طرق القتل الصناعية، كالضرب والصعق والخنق، حيث يفقد الحيوان وعيه خلال ثوانٍ بسبب النزيف السريع، دون ألم مستمر، على عكس الطرق الأخرى التي يطول فيها العذاب دون رحمة أما الأضحية فليست مجرد “سفك دم”، بل عبادة، وقربة، وإطعام، وتوسعة على النفس والغير، ورحمة بالمحرومين في يوم عيدهم وإن من ينتقدون ذبح الأضاحي باسم “الرحمة”، وهم يغضون الطرف عن قتل الإنسان بلا ذنب، لا يتحدثون من منطلق أخلاقي بل من منطلق عدائي، هدفه تشويه الإسلام وتحقير شعائره، متناسين أن الإسلام دين رحمة، ودين حياة، ودين عدل، والفرق كبير بين دم يُسفك في طاعة، ودم يُسفك في ظلم وعدوان.