مقالات

أخلاقنا الجميلة : العيب.. كان كلمة تقيلة

بقلم السيد عيد

في زمنٍ لم يكن بعيدًا إلى هذا الحد، كانت هناك كلمة واحدة، قادرة أن تُعيد الأمور إلى نصابها، وتُعيد للنفوس اتزانها: العيب.

كلمة صغيرة في عدد حروفها، لكنها كبيرة بثقلها، كانت تُقال فينكمش بها القلب، ويصحو بها الضمير، وتعلو بها قيمة الاحترام.

في تلك الأيام، لم نكن بحاجة إلى لوائح ولا قوانين مكتوبة. كان الناس يُربّون أبناءهم على “العيب” قبل أي شيء آخر. كلمة “عيب” لم تكن شتيمة، بل كانت جرس إنذار، تُقرَع في الأذن قبل أن يُقترف الخطأ، وفي القلب قبل أن يتحول إلى فعل.

الولد كان يخفض صوته أمام أبيه، ويقف للسلام على جارته، ويتحاشى النظر في وجه من تكبره.

الفتاة كانت تخجل من الضحك بصوتٍ عالٍ في الشارع، وتُعدل من هندامها أمام باب الجيران، لأن “العيب” كان حارسًا غير مرئي، يسير معها أينما ذهبت.

حتى الحب، كان له عِفّة. كانت الدعوات تُقال سرًا: “يا رب تكون من نصيبي بالحلال”، وكانت النظرة تُحسب، والكلمة تُنتقى، والنية تُطهّر.

كانت “العيب” تُقال بصوت الجدة، في تنهيدة الأم، في نظرة الأب، في صمت الجار. وكانت وحدها كافية لأن تُعيد الاحترام، وتُرمم ما تصدّع من السلوك.

أما اليوم، فكأن الكلمة قد بُليت من كثرة ما أُهملت. نسمعها أحيانًا فنبتسم ساخرين، أو نُجيب بـ”ما له؟ عادي”.

لكن “العادي” الذي صار مقبولًا، هو ذاته الذي بدّل وجه الشارع، وأضعف روابط المجتمع، وجعل كثيرًا من الجميل قبيحًا.

لسنا نكتب هنا لنرثي الماضي، بل لنتذكّره. لنستدعي بعضًا من روحه، ونضعها في حاضرنا الذي ضجّ بالضجيج.

نستطيع أن نُحيي الكلمة من جديد، نعلّمها لأبنائنا، نمارسها لا نُردّدها فقط. أن نُحيي “العيب” كقيمـة لا كقيد، كضمير حيّ لا كخوف اجتماعي.

وقت أن يعود “العيب” لمكانه، سيعود معه الكثير من الجمال الذي افتقدناه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى