الاحتيال باسم الدين.. بين الاستغلال والتشويه

كتب د/ حمدان محمد
في كل زمان ومكان، يظهر من يتخذ الدين ستارًا لتحقيق مآرب شخصية، مستغلًا ثقة الناس وميولهم الفطرية نحو الخير، وهذا ليس بجديد، فقد حذر النبي ﷺ من ظهور أناسٍ “يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ” (رواه البخاري).
ومن أحدث صور هذا الاستغلال، ظهور منصات مالية احتيالية يديرها أفراد بسمات توحي بالصلاح والتقوى، فيوهمون الناس بأنهم على خير، حتى يقعوا ضحية للنصب والاحتيال. ثم بعد ذلك، نجد من يستغل هذه الحوادث للطعن في الدين نفسه، فيردد البعض مقولة “كل من يريد النصب يتستر بلباس الدين”، فيخلطون بين الدين الحق وأفعال المنتسبين إليه، وكأن الإسلام نفسه مسؤول عن أخطاء بعض مدّعيه.
وإنه من الأخطاء الشائعة أن يتم ربط الاحتيال بالدين لمجرد أن المحتال قد ادّعى التدين أو استخدم الخطاب الديني لخداع الناس. فالدين هو الذي يدعو إلى الأمانة والصدق، وهو الذي ينهى عن الكذب والخداع، قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” (النساء: 58)، وقال النبي ﷺ: “مَن غَشَّنا فليسَ مِنِّا” (رواه مسلم).
وعلى مدار التاريخ، لم يكن المنافقون والدجّالون أمرًا جديدًا، فقد استغل بعضهم الدين ليحققوا مصالحهم الخاصة، لكن هذا لم يكن أبدًا عذرًا للطعن في الإسلام نفسه، بل كان دائمًا سببًا لمزيد من التمسك بتعاليمه الصحيحة وفضح المخادعين باسمه.
ولكن كيف نحمي المجتمع من هذه الظاهرة؟
لكي نحد من هذه الظاهرة ونحمي الناس من الوقوع في براثن المحتالين باسم الدين، يجب اتخاذ عدة خطوات:
1. الوعي والتثقيف الديني: يجب أن يدرك الناس أن التدين ليس بالمظهر، وأن الأمانة والصدق هما المعياران الأساسيان للحكم على الأشخاص.
2. عدم تصديق الادعاءات دون دليل: من الخطأ أن ينجرف البعض وراء العواطف دون تحرٍّ، بل يجب التأكد من صحة أي مشروع أو استثمار قبل وضع الأموال فيه.
3. الرقابة القانونية والمجتمعية: على الجهات المعنية متابعة الأنشطة المالية المشبوهة، وعلى المجتمع أن يكون واعيًا في كشف مثل هؤلاء المحتالين والإبلاغ عنهم.
4. عدم تعميم الأحكام: لا يجوز أن يُستغل خطأ شخص أو مجموعة للطعن في الدين وأهله، فهناك فرق بين الإسلام كمنهج، وبين من يسيئون استخدامه.
وإن التصدي لهذه الظواهر لا يكون فقط بالتحذير من المحتالين، بل أيضًا بتوعية الناس بعدم الانجرار خلف العواطف دون دليل، والتمييز بين الدين الحق وبين من يحاول استغلاله والأهم من ذلك، ألا يكون فشل شخص أو جماعة ذريعة للطعن في الإسلام وأهله، بل دافعًا للتمسك بالقيم الصحيحة التي جاء بها الدين نفسه.
فالاحتيال جريمة، سواء ارتكبها شخص باسم الدين أو باسم التجارة أو السياسة، ولا ينبغي أن يُسمح لهؤلاء المخادعين بأن يكونوا سببًا في التشكيك في القيم الدينية النبيلة التي تدعو إلى العدل والحق والأمانة.