من حكم التمذهب في الأقاليم

د. فرج العادلي
بداية أقول: إن أخذ كل إقليم بمذهبٍ من المذاهب الأربعة يُحدث إنسجاما في حركة الناس، وتعاملاتهم، أُشبهها (إن صح ذلك) بإشارات المرور.
فالكل يقف عند الأحمر، ويمر عند الأخضر… والمشاة لهم علامات وكذللك السيارات…
وهذا يظهر في الصلاة بأنواعها، كالصلوات الخمس ، والعيدين، والجمعة، والجنازة، والكسوف والخسوف… وكذلك في الزواج وطقوسه، والأضحية وطقوسها…
فالأخذ بمذهب معينٍ يحدث انسجاما عجيبا، ونظاما بديعا، وبنيانا مرصوصا متماسكا، إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا…
لكن تخيل أن كل شخصٍ له إشارة مرورٍ معينة، بعضهم يمشي على الأخضر والآخر على الأحمر… سيكون اضطربا شديدا، كما في الجنازة بعضهم يرفع صوته، والآخر يرفع يديه، والثالث لا يرفع صوتا ولا يدا… بقطع النظر عن الصحة الآن، لكن من حِكَمِ التمذهب الانسجام التام وتوارث الأحكام عمليا كما كان قديما.
وقد أحسنت بعضُ الدول باعتماد مذهبٍ معينٍ لها لا تدرس غيره، وإن كان البلد كبيرا جاز الزيادة شريطة أن يختص كلُ إقليمٍ بمذهب يناسب أحوال الناس، ومعاشهم، كخلايا النحل أو النمل إن جاز.
وهو المعمول به في الأزهر تدريسا، أما انفلات التدريس من بعض المشايخ جعلهم يشوهون هذه الصورة المنمقة المتناسقة، فتجد في الحي الواحد حنبليا ومالكيا وشافعيا وحنفيا وتجد في حركاتهم وسكناتهم خاصة إذا كانوا في صف واحد في الصلاة تباينا، وكأنها ليست صلاة متحدة في كل الأركان، لكن كل واحد له طريقة، بعضهم يرفع يديه في الركوع والرفع، وبعضهم يكتفي بتكبيرة الإحرام، ثم كيفية القيام من الجلوس، ثم التشهد وما أدارك ما التشهد، والتورك وما أدراك ما التورك، كذلك في بقية العبادات والمعاملات، فتجد من التنافر والتباين والاختلاف ما الله به عليم.
فنسأل الله تعالى أن يردنا إلى الحق والوحدة مردا جميلا.
هذا والله أعلى وأعلم وأجل وأكرم .