بقلم: السيد عيد
في كل بيت حكاية… لكنها في هذا البيت تحديدًا بدأت الحكاية بـ “ماما” وانتهت بـ “دار رعاية”.
كانت أمه بطلة الفيلم من أول مشهد: تطبخ، تنظّف، تحرم نفسها، تسهر وهو نائم، وتدعو له وهو لا يصلي أصلًا.
حملته تسعة أشهر، واحتملته ثلاثين سنة… ثم جاءت اللحظة التي قرر فيها سيادة الابن المحترم أن يُسلمها بيده إلى موظفة الاستقبال في دار المسنين وكأنه يسلّم طردًا وصل متأخرًا.
“مش فاضي والله يا أمي، ظروف الحياة.”
قالها وهو يراجع رسائل الواتساب، بينما يدفع أمّه إلى الداخل بعجلة، ويطلب كوب نسكافيه في طريقه للخروج.
هل تذكر أنها كانت تمسح له العرق بكمّ جلبابها وهو يذاكر؟
هل يتذكر أنها كانت تطفئ له الشمس إذا قال “الدنيا حر”؟
غالبًا لا. الذاكرة عنده أصبحت “للكلاود” فقط… والأم صارت ملفًا زائدًا في الذاكرة.
الأم لم تشتكِ.
جلست في غرفتها الجديدة، تتفرج على باب لا يُفتح، وهاتف لا يرن.
تطالع صورته، وتهمس:
“ابني مش وحش… بس انشغل.”
ثم تبتسم، لأن الأمهات دائمًا يعرفن كيف يخلقن عذرًا لأبناء لا يستحقون.
هل دار المسنين جريمة؟
لا، ليست دائمًا.
لكن ما فعله هذا الابن تحديدًا لا علاقة له لا بالحاجة، ولا بالرحمة، ولا حتى بقانون العقوق.
هي فقط… لم تعد تُناسب ديكور بيته الجديد.
أيها الابن،
لو كنت تقرأ، فاطمئن: أمك لم تغضب.
هي فقط… بَردت.
أنت دفنتها وهي على قيد الحياة، ثم قلت لنفسك إنها في “مكان آمن”.
والحقيقة؟
هي في مكان بارد، وقلبك أكثر برودة.
الأم لا تحتاج كثيرًا.
فقط أن تزورها… تسأل عنها… تمسك يدها وتقول: “أنا آسف يا أمي.”
لكنك، كما يبدو، تحب أن “تُنجز”.
وقد أنجزت فعلًا… أنجزت الغياب بكل نجاح.
اقترب يا عزيزي، قبل أن تسبقك دعوة أم لم تُجبر خاطرها، ولم تُغلق باب الدار وراءها، بل أغلقت قلبها في صمت… وانتظرت.
