كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
تعد الهجرة غير الشرعية عبر البحر ظاهرة معقدة ومتنامية، تنطوي على أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية وإنسانية عميقة. وتعتبر منطقة البحر الأبيض المتوسط، وخاصة مسار وسط البحر المتوسط، من أكثر الطرق خطورة ودموية للمهاجرين الباحثين عن حياة أفضل في أوروبا.
أولاً: أسباب الهجرة غير الشرعية عبر البحر
تتعدد الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، ويمكن تصنيفها كالتالي:الأسباب الاقتصادية
البطالة والفقر: تعد المستويات المرتفعة من البطالة، خاصة بين الشباب، والفقر المنتشر في العديد من الدول، من أهم الدوافع للهجرة. يسعى الكثيرون إلى تحسين ظروفهم المعيشية وإيجاد فرص عمل غير متوفرة في بلدانهم الأصلية.
غياب الفرص الاقتصادية والاجتماعية: عدم توفر آفاق واضحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يدفع الأفراد للبحث عن مستقبل أفضل في الخارج.
الفساد وسوء الإدارة: يؤثر الفساد وسوء الإدارة على التنمية الاقتصادية ويحد من الفرص، مما يزيد من رغبة الناس في الهجرة.
الأسباب السياسية والأمنية
الصراعات وعدم الاستقرار: تشهد بعض من الدول صراعات مسلحة ونزاعات داخلية وعدم استقرار سياسي (مثل سوريا، ليبيا، اليمن، السودان)، مما يدفع السكان إلى الفرار بحثاً عن الأمان والحماية.
القمع وانتهاكات حقوق الإنسان: الأنظمة القمعية وغياب الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان تدفع الأفراد للبحث عن بيئات أكثر أماناً واحتراماً للحقوق.
غياب العدالة الاجتماعية: الشعور بالظلم وعدم المساواة يدفع البعض إلى البحث عن مجتمعات توفر لهم قدراً أكبر من العدالة.
الأسباب الاجتماعية والنفسية
التفكك الأسري والاجتماعي: قد تؤدي الظروف الصعبة إلى تفكك الأسر وتدهور الروابط الاجتماعية، مما يجعل الهجرة خياراً مغرياً للبعض.
تطلعات وطموحات الشباب: يسعى الشباب إلى تحقيق طموحاتهم الاقتصادية والاجتماعية التي لا يجدونها في بلدانهم، وقد يتأثرون بتجارب ناجحة لمهاجرين سابقين.
الضغط الاجتماعي: في بعض المجتمعات، قد يكون هناك ضغط اجتماعي للهجرة، حيث يُنظر إليها كسبيل للنجاح والازدهار.
التغيرات المناخية: في بعض المناطق، يمكن أن تؤثر التغيرات المناخية على سبل العيش وتدفع السكان للنزوح.
عوامل الدفع والجذب
عوامل الدفع: تشمل الظروف السلبية في بلد المنشأ (الفقر، البطالة، الصراعات، القمع).
عوامل الجذب: تتمثل في فرص العمل والتعليم، والاستقرار السياسي، وتوفر الخدمات في الدول الأوروبية.
ثانياً: نتائج الهجرة غير الشرعية عبر البحر
تترتب على الهجرة غير الشرعية عبر البحر عواقب وخيمة على المستويين الفردي والمجتمعي، وتشمل:
الوفيات والمفقودين: يعتبر البحر الأبيض المتوسط من أخطر الطرق، حيث يلقى الآلاف حتفهم غرقاً كل عام، ويبقى عدد كبير من الجثث في عداد المفقودين. وقد سجل عام 2023 أعلى عدد من الوفيات الناجمة عن الهجرة غير الشرعية، ولا يزال البحر المتوسط هو الطريق الأكثر دموية.
الاستغلال والاتجار بالبشر: يتعرض المهاجرون للاستغلال من قبل شبكات التهريب والاتجار بالبشر، وقد يتعرضون للاعتداء الجسدي والجنسي، والابتزاز، والعمل القسري.
المخاطر الصحية والنفسية: يعاني الناجون من رحلات الهجرة الشاقة من صدمات نفسية ومشاكل صحية خطيرة بسبب الظروف غير الإنسانية التي يتعرضون لها.
التفكك الأسري: تؤدي الهجرة غير الشرعية إلى تفكك الأسر والمعاناة النفسية لأفرادها في بلدان المنشأ.
الأعباء الاقتصادية: يخسر المهاجرون أموالهم التي دفعوها للمهربين، وقد لا يتمكنون من الوصول إلى وجهتهم.
التحديات الأمنية: تشكل الهجرة غير الشرعية تحدياً أمنياً للدول المستقبلة، حيث يمكن أن تستغلها الجماعات الإجرامية والإرهابية.
الضغط على الدول المستقبلة: تضع أعداد المهاجرين الكبيرة ضغطاً على موارد الدول الأوروبية، وتثير تحديات تتعلق بالإدماج الاجتماعي والثقافي.
تأثيرات على الدول المصدرة: تفقد الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية طاقات شبابية منتجة، مما يؤثر سلباً على التنمية.
ثالثاً: جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية عبر البحر
تتضافر جهود دولية وإقليمية ومحلية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتشمل:
التشريعات والقوانين
تفعيل القوانين الوطنية التي تجرم تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
التزام الدول بالاتفاقيات والبروتوكولات الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، مثل بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو.
التعاون الأمني
تعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية في دول المنشأ والعبور والوجهة لمكافحة شبكات التهريب.
تكثيف الدوريات البحرية والجوية لمنع قوارب الهجرة غير الشرعية.
تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول للكشف عن المهربين ومنظماتهم.
الدعم التنموي
معالجة الأسباب الجذرية للهجرة من خلال برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدان المنشأ.
خلق فرص عمل للشباب، وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير تعليم جيد وخدمات صحية.
دعم المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية في المجتمعات المتضررة.
التوعية والتثقيف
إطلاق حملات توعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية في الدول المصدرة، خاصة بين الشباب.
تثقيف المجتمعات حول البدائل الآمنة للهجرة والفرص المتاحة محلياً.
المساعدة الإنسانية والإغاثة
تقديم المساعدة الإنسانية للمهاجرين العالقين والناجين.
دعم مراكز الإيواء وتوفير الرعاية الصحية والنفسية للمهاجرين.
تسهيل عمليات العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية بالتنسيق مع المنظمات الدولية.
التعاون الدولي
تعزيز الشراكات بين دول البحر الأبيض المتوسط لمواجهة الظاهرة بشكل جماعي.
مشاركة المنظمات الدولية مثل المنظمة الدولية للهجرة (IOM) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في جهود المكافحة وتقديم الدعم.
أمثلة على الجهود:
مصر: تعمل وزارة الخارجية المصرية كحلقة وصل بين الجهات الوطنية والمنظمات الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وتنسق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مهام التسجيل وتحديد وضعية اللجوء.
ليبيا: تسعى ليبيا لوضع خطط استراتيجية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتنفيذ خطط أمنية لمكافحة التهريب، وضبط المهاجرين وترحيلهم بالتنسيق مع الجهات المعنية.
تونس: أصبحت تونس نقطة عبور رئيسية، وتتعاون السلطات مع المنظمات الدولية لمواجهة هذه الظاهرة.
رابعاً: إحصائيات حول الهجرة غير الشرعية عبر البحر من العالم العربي
من الصعب الحصول على إحصائيات دقيقة بسبب الطبيعة الخفية للهجرة غير الشرعية، ولكن بعض التقديرات تشير إلى ما يلي:
البحر الأبيض المتوسط: عبر أكثر من 2.5 مليون مهاجر غير شرعي البحر الأبيض المتوسط منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد بلغ عدد المهاجرين عبر هذا المسار ذروته في عام 2015، حيث سجلت الأمم المتحدة مليون مهاجر.
الوفيات: تُعد المنظمة الدولية للهجرة البحر الأبيض المتوسط الطريق الأكثر دموية للمهاجرين. في عام 2014، غرق أكثر من 3500 مهاجر، ووصل العدد إلى حوالي 1600 في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2015. وسجل عام 2023 أعلى عدد من الوفيات الناجمة عن الهجرة غير الشرعية.
بلدان المنشأ: في ذروة الأزمة في عام 2015، كان معظم المهاجرين من سوريا (34%)، إريتريا (12%)، وأفغانستان (11%). وفي سبتمبر 2020، كانت تونس هي البلد الأصلي الأول للمهاجرين (18.3%)، تليها الجزائر (14.8%).
نقاط الانطلاق: كانت ليبيا في السابق نقطة الانطلاق الرئيسية، ولكن في السنوات الأخيرة، زادت نسبة المغادرين من تونس بشكل ملحوظ.
