بقلم : عادل النمر

المواقف لا تكذب، ولا تجامل، ولا تساير. هي اختبار صادق يكشف معدن من حولك؛ من يتحدثون كثيرا عن الوفاء، فإذا حضرت المحنة غابوا بلا أثر . في لحظات الضيق، لا نحتاج إلى كثير من الكلام، بل إلى قلوب صادقة.

أصحاب المصالح هم أولئك الذين لا يعرفونك إلا عند الحاجة، ولا يقتربون منك إلا إذا كنت بوابتهم لعبور طريق، أو سلما لصعود طموحاتهم. يتقنون فن التلون، ويتبدلون حسب الموقف والمكسب. يقتربون حين تربح، ويختفون حين تخسر، وإن وقعت لا يمدون يدا إلا لالتقاط صورة قرب أنقاضك.

أما الأقنعة المزيفة، فهي تلك الوجوه التي ترتدي ملامح الطيبة والود، بينما تخفي في طياتها نوايا مشوهة. يحدثونك عن الوفاء وهم أول الخائنين، وعن الإخلاص وهم أول المتنكرين. يزينون كلماتهم بالاهتمام، وقلوبهم خاوية من الشعور الحقيقي

خريف العلاقات ليس مجرد فتور عابر، بل هو لحظة إدراك مؤلمة بأن من ظنناهم ظلا دائما، كانوا مجرد ظل مؤقت. هو مرحلة فاصلة بين الصدق والادعاء، بين الحب الحقيقي والتعلّق الزائف، بين من يحبك لذاتك، ومن كان يتغذى فقط على وجودك.

المواقف الصعبة هي المحكّ الحقيقي الذي يكشف الوجوه. فكم من صديق ادّعى الإخلاص حتى جاءت لحظة الحقيقة، فسقط قناعه، وظهر وجهه الحقيقي. وكأن هذه الحياة خريف طويل، تتساقط فيه أوراق النفاق واحدة تلو الأخرى، ليبقى فقط من كانت جذوره صادقة.

.

كم من صديق ظنناه ملاذا، فإذا به تاجرا للعواطف، لا يرى فيك إلا ما تمنحه له! وكم من قريب اكتشفنا غربته حين انطفأ بريقنا، فاختفى هو الآخر من المشهد، وكأن وجوده كان مرتبطا فقط بوهجنا!

الخريف، رغم قسوته، يعلمنا أن سقوط أوراق الشجر ليس نهاية، بل تمهيد لبداية جديدة. وكذلك العلاقات؛ لا بأس أن تسقط أوراقها الذابلة لتفسح الطريق لعلاقات أنضج، وأصدق، وأكثر اتزانا.

ليس كل سقوط خسارة، وليس كل انكشاف خيبة. ففي خريف العلاقات نرتاح من جديد، ونعرف من نحن، ومن يستحق أن يكمل الطريق معنا. نكتشف أننا لا نحتاج إلى عدد كبير من الرفاق، بل إلى قلوب صادقة تقف معنا في فصول الحياة كلها، لا في الربيع فقط.

احذر أن تكون محطة في طريق أحدهم، أو ورقة في كتاب لا يُقرأ إلا وقت الحاجة. دع علاقاتك تبنى على الوضوح لا على المصلحة، وعلى الصدق لا على التزييف. فالحياة قصيرة، وأقصر منها أن تهدر على أصحاب الوجوه المتعددة.

فلنقبل بخريف العلاقات، ولنتأمل تساقط أوراقه بهدوء، ونتعلّم من كل ورقة ذابلة قصة، ومن كل خيبة درسا، ومن كل رحيل بداية.