كتبت ـ مها سمير
في قلب صحراء البهنسا بمركز بني مزار شمال محافظة المنيا، فوجئ الأهالي بظهور بحيرة واسعة من المياه وسط الرمال القاحلة، في مشهد لم يعتادوه من قبل. البحيرة، التي تمتد على مساحة تقارب 5 أفدنة وبعمق يصل إلى 10 أمتار، ظهرت بشكل مفاجئ بالقرب من مسار مشروع القطار السريع في الصحراء الغربية، لتثير دهشة السكان المحليين وتتحول إلى مزار مؤقت يزوره العشرات يوميًا.
“المبروكة” أم “الملعونة”؟
منذ اللحظة الأولى لظهورها، تباينت تفسيرات الأهالي للظاهرة، إذ أطلق عليها البعض “المياه المبروكة” إشارة إلى القيمة التاريخية والدينية للمنطقة التي ارتبطت بالصحابة والتابعين، فيما رآها آخرون “البحيرة الملعونة” في دلالة على الغموض والريبة المحيطة بها. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت الصور ومقاطع الفيديو لتلك البحيرة بشكل واسع، لتصبح حديث الساعة في مصر.
التفسير العلمي للظاهرة
التقارير الأولية الصادرة عن محافظة المنيا ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أكدت أن البحيرة ليست ناتجة عن فيضان أو تسريب من النيل، وإنما نتيجة تجمعات جوفية طبيعية. وأوضحت الفحوصات أن المنطقة تحتوي على منخفضات وشقوق جيولوجية سمحت بتسرب المياه الجوفية وتجميعها مع مرور الوقت، وهو ما أدى إلى تشكّل البحيرة.
كما أثبتت التحاليل أن:
المياه تحمل نسبة ملوحة عالية جدًا تجعلها غير صالحة للشرب أو الاستخدام الزراعي أو الحيواني.
الظاهرة جيولوجية طبيعية تتكرر في بعض المناطق الصحراوية ذات التضاريس المنخفضة.
لا توجد أي دلائل على أن للبحيرة علاقة بنشاط بشري مباشر، بل هي نتاج حركة المياه الجوفية تحت الأرض.
آراء الخبراء
جيولوجيون أشاروا إلى أن التربة الرملية والصخور الرسوبية في المنطقة تساعد على تجمّع المياه الجوفية عند حدوث شروخ أو منخفضات طبيعية، مؤكدين أن ما حدث ليس “معجزة” بقدر ما هو “ظاهرة جيولوجية بحتة”.
خبراء الزراعة حذّروا من خطورة استخدام المياه في ري الأراضي، نظرًا لارتفاع نسبة الأملاح التي قد تؤدي إلى تملح التربة وإفسادها.
علماء البيئة شددوا على أهمية دراسة الظاهرة بشكل معمّق، باعتبارها مؤشرًا قد يكشف عن تغيرات مناخية أو جيولوجية أوسع بالمنطقة.
ردود الأفعال الرسمية والإعلامية
السلطات المحلية سارعت إلى التحذير من استخدام مياه البحيرة أو السباحة فيها، مؤكدة أن “الظاهرة طبيعية لكنها قد تحمل مخاطر صحية وبيئية”. وأكدت محافظة المنيا أن الفحوصات ستستمر لمتابعة تطور البحيرة ورصد تأثيرها على البيئة المحيطة.
الإعلامي عمرو أديب علّق على الواقعة قائلاً: “الناس صحيت من النوم في المنيا لقت بحيرة غامضة في الصحراء”، مشيرًا إلى أن ما حدث يستحق الدراسة والتوقف عنده، لأنه يكشف عن جانب خفي من طبيعة الأرض المصرية.
ما بين الأسطورة والعلم
وبينما يواصل الأهالي إطلاق الأساطير والقصص حول “بحيرة البهنسا”، يبقى التفسير العلمي هو الأرجح: تجمع مائي ناتج عن حركة المياه الجوفية داخل منخفض جيولوجي. لكن اتساع البحيرة يومًا بعد يوم يزيد من علامات الاستفهام، ويفتح الباب أمام دراسات مستقبلية قد تكشف عن أسرارها.
بحيرة البهنسا قد تبقى معلمًا طبيعيًا جديدًا في قلب صحراء المنيا، وقد تختفي فجأة كما ظهرت. لكن المؤكد أنها نجحت في لفت الأنظار إلى قوى الطبيعة المدهشة، وجعلت من صحراء المنيا مسرحًا لحدث لا يتكرر كثيرًا.
