مريم أحمد
وُلد الفيلسوف والمفكّر الفرنسي أوغست كونت في التاسع عشر من يناير سنة 1798 بمدينة مونبلييه الفرنسية، في وقت كانت فيه فرنسا تعيش أزمات سياسية وفكرية متلاحقة: صراعات بين الملكيين والجمهوريين، واحتجاجات عمالية ضد أرباب العمل، إضافة إلى الحروب النابليونية والأزمات المتعاقبة مثل حرب القرم.
وسط هذا المشهد المزدحم بالأحداث، رأى كونت أن الحل لا يكون بالسلاح، بل بالفكر. فقد أراد إعادة بناء المجتمع على أسس علمية وفلسفية راسخة، وأطلق دعوته عبر ما أسماه الفلسفة الوضعية.
كان المجتمع الفرنسي آنذاك يتأرجح بين اتجاهين في التفكير:
تفكير وضعي يهتم فقط بالطبيعة والكون.
تفكير ديني فلسفي يُرجع الظواهر الاجتماعية كالثورات والانتحار والحروب، إلى قوى غيبية أو قدر إلهي.
أما كونت، فقدّم منهجًا جديدًا هدفه. كما قال :
«إعادة تنظيم المجتمع».
المراحل الثلاث لتطور الفكر الإنساني
قسّم أوغست كونت تطوّر الفكر الإنساني إلى ثلاث مراحل رئيسة:
1. المرحلة اللاهوتية: حيث تُفسَّر الظواهر تفسيرًا أسطوريًا وخرافيًا.
2. المرحلة الميتافيزيقية: وهي مرحلة التفكير العقلي المجرّد.
3. المرحلة الوضعية: حيث تُفسَّر الظواهر بالعقل والعلم والقوانين.
ومن هنا بزغ علم الاجتماع، واعتبره كونت العلم القادر على فهم المجتمع وتنظيمه. وفي عام 1838 أطلق عليه اسم سوسيولوجي (Sociology)، وعرّفه بأنه:
«العلم الذي يدرس المجتمع دراسة علمية، بهدف فهم قوانينه ومشكلاته وتحوّلاته».
مناهج البحث عند كونت
في كتابه السياسة الوضعية، أوضح كونت أن دراسة المجتمع يجب أن تعتمد على:
التجربة،
الملاحظة،
المنهج التاريخي،
المنهج المقارن.
ومن اللافت أن منهج كونت يتقاطع مع ما طرحه ابن خلدون قبل قرون، حين أكّد أن المجتمعات لا تُدرس بالعاطفة، بل بالتحليل والملاحظة والاستناد إلى التاريخ. غير أن كونت أعاد صياغة هذا المنهج بما يتلاءم مع أوروبا الحديثة.
قوانين المجتمع عند كونت.
وضع أوغست كونت قانونين أساسيين لتفسير حالة المجتمع:
1. قانون الاستاتيكا الاجتماعية: يدرس عوامل الثبات في المجتمع ودور التكافل بين أفراده.
2. قانون الديناميكا الاجتماعية: يتناول تطوّر المجتمع وانتقاله من التفكير الخرافي إلى التفكير العلمي.
بهذا أسّس أوغست كونت لعلم الاجتماع، وفتح الباب أمام دراسة المجتمعات وتحليلها بطريقة علمية دقيقة. ولم يكن منفردًا في هذا المسار، فقد سبقه ابن خلدون الذي مهد الطريق في الشرق، بينما أرسى كونت دعائم العلم في الغرب، فغديا معًا من أعمدة علم الاجتماع في تاريخ الفكر الإنساني.
