مقالات

الاستهزاء بالصلاة والقرآن.. مزاح أم استهتار بالدين؟

د/ حمدان محمد
في زمن السوشيال ميديا، أصبح كل شخص قادرًا على صناعة المحتوى، ولكن للأسف، لا يميز البعض بين ما هو مقبول وما هو تجاوز للحدود. فتجد مقاطع فيديو تستهزئ بالصلاة، أو تسخر من القرآن الكريم، بحجة “المزاح” و”الترفيه”. ومن ذلك ما نراه من أشخاص يصورون أنفسهم وهم يؤدون التراويح بصعوبة بسبب كثرة الطعام، ثم يضعون آيات قرآنية في غير موضعها، كمن يشغل قوله تعالى:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ۝ وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ (الزخرف: 13-14)
وكأنهم يسخرون من أنفسهم في الصلاة. فهل صار الدين وسيلة للضحك والإضحاك؟
والاستهزاء بالدين.. خطر عظيم!
فالاستهزاء بالصلاة أو القرآن ليس أمرًا هينًا، بل هو خطر على دين الإنسان، قال الله تعالى:
﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (التوبة: 65-66).
فالاستهزاء بأوامر الله ليس مجرد “مزحة”، بل قد يكون سببًا في خروج الإنسان من دائرة الإيمان إذا لم يتب ويستغفر.
إن الصلاة أعظم شعيرة في الإسلام، والقرآن هو كلام الله المنزل لهداية البشر، فلا يجوز تحويلهما إلى مادة للضحك أو استخدامها في سياقات هزلية. ومن يفعل ذلك، فهو يستخف بالدين ويقلل من هيبته في نفوس الناس، وقد يفتح الباب أمام غير المسلمين للطعن في الإسلام بحجة أن المسلمين أنفسهم يسخرون منه.
ولابد أن يعلم المرء أنتعظيم شعائر الله.. علامة الإيمان
فإن تعظيم شعائر الله من سمات القلوب المؤمنة، قال تعالى:
﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32).
فكيف يجرؤ البعض على الاستهزاء بأعظم شعيرة في الإسلام، وهي الصلاة؟ وكيف يستخفون بكتاب الله، وهو الذي يحمل الهدى والنور؟ إن هذا دليل على ضعف الإيمان في القلوب، وغياب التعظيم الواجب لأوامر الله. ولو تأمل هؤلاء، لوجدوا أن السلف الصالح كانوا يعظمون الصلاة لدرجة أنهم كانوا يتركون الدنيا وراءهم عند سماع الأذان، ولا يتجرأ أحدهم على التلفظ بكلمة غير لائقة داخل المسجد، فكيف وصل الحال بالبعض اليوم إلى جعل الصلاة والقرآن مادة للضحك والسخرية؟
وأما عن مشكلة امتلاء المعدة بالطعام حتى يعجز الإنسان عن الركوع والسجود، فهذه ظاهرة أخرى تحتاج إلى معالجة. فقد حذر النبي ﷺ من الإسراف في الأكل، فقال:
«ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه» (رواه الترمذي).
فرمضان ليس شهر الأكل، بل شهر الصيام والعبادة، لكن البعض يبالغ في تناول الطعام عند الإفطار، فيتحول إلى شخص ثقيل لا يستطيع أداء الصلاة بخشوع، بل قد يتكاسل عن القيام بسبب التخمة. فكيف للإنسان أن يملأ بطنه إلى حد العجز عن الوقوف بين يدي الله؟ وكيف له أن يجعل من ضعف جسده مادة للسخرية بدلًا من أن يراجع نفسه ويصلح سلوكه؟
فهذه رسالة إلى صُنّاع المحتوى
إلى كل من يصنع محتوى على السوشيال ميديا، احذر أن يكون ما تقدمه سببًا في إضعاف الإيمان في قلوب الناس، أو في نشر السخرية من دين الله. ابحث عن طرق مفيدة لتقديم محتواك، فهناك ألف وسيلة للضحك والترفيه دون المساس بحرمة الصلاة أو آيات القرآن. وتذكر أن الكلمة مسؤولية، وأنك ستُسأل عما نشرته أمام الله.
وإن تعظيم شعائر الله ليس مجرد قول، بل هو سلوك ينعكس في أفعالنا وأقوالنا، فليكن تعاملنا مع الصلاة والقرآن تعظيمًا وتوقيرًا، لا استهزاء وسخرية. اللهم اجعلنا ممن يعظمون شعائرك، ولا تجعلنا ممن يستهزئون بدينك، واهدِ شباب المسلمين لما تحب وترضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى