مقالات

مملكة الحمير

بقلم / السيد عيد

خرجت كعادتي كل صباح متثاقل الخطى إلى الحقل، لا لشيء إلا لأجد حماري العزيز متمدداً على الأرض في وضعية درامية تصلح لمشهد النهاية في فيلم مأساوي. شددت لجامه بحنان مصطنع وسألته:

— “مالك يا حماري العزيز؟ هل أصابك مسٌّ من فلسفة، أم أنك قررت أخيرًا الإضراب عن العمل والانضمام إلى رابطة الحمير العاطلين عن العمل؟”

رمقني بنظرة متعالية، وكأنه يظن نفسه سقراط الحمير، ثم زفر زفرة طويلة وقال:

— “أخشى على مستقبلي يا صاحبي، وأخشى أن أُتهم يومًا بالغباء في زمن صار فيه الذكاء وصمة عار! أتعب، أحمل، أجرّ، ومع ذلك لا أحد يبالي. الكل يحب الأسد رغم بطشه، ويصفق للبقرة الضاحكة رغم أنها تضحك بلا سبب، ويصنعون من جلد التمساح أحذية فاخرة بينما يذرف هو دموعًا مزيفة لا يصدّقها أحد. أما أنا؟ فلا أحد يلتقط معي صورة تذكارية، ولا أجد حمارًا واحدًا تمت استشارته في أي قضية دولية!”

حاولت تهدئته، لكنه استرسل وكأنه مُعدٌّ للظهور في برنامج حواري على الهواء مباشرة:

— “أما أنتم، بنو البشر، فأنتم أعجب المخلوقات! تتحدثون عن العدالة بينما تلتهمون حقوق بعضكم، تؤيدون دون سبب وتعترضون دون سبب، تُشيدون بالمشاريع التي لم تُنجز، وتكتبون القصائد في مديح من لم يقرأ في حياته بيت شعر! تحضرون نشرات الأخبار لتستمعوا إلى مسؤول يؤكد أن الاقتصاد في ازدهار بينما جيوبكم فارغة، ثم تصفقون بحرارة وكأن التصفيق سيملأ معدتكم الجائعة!”

حاولت مقاطعته، لكن الحمار كان في حالة ثورية لا يمكن إيقافها:

— “أنتم تأكلون وتشربون، ومع ذلك لا تحمدون، بينما نحن نعيش على العلف ونشكر الله! بل إنني أكاد أفقد حموريتي وأنا أرى أنكم تعتقدون أن الجوع مجرد إشاعة، وأن البطالة مجرد سوء تفاهم بين المواطن وسوق العمل! تخوضون حروبًا بلا هدف، ثم تعقدون قممًا بلا معنى، ثم تصدرون بيانات الشجب والاستنكار وكأنها أسلحة دمار شامل!”

مسحت على رأسه محاولًا تهدئته وقلت:

— “يا حماري الحبيب، ألا يكفيك أنك ملك عظيم في مملكة الحمير؟ أم تفضل أن تكون حمارًا في مملكة الفاهمين؟”

نظر إليّ نظرة ذات معنى، ثم نهق نهيقًا مدويًا، اعتبرته بمثابة تصويت بحجب الثقة عن البشرية جمعاء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى