بقلم السيد عيد
لم تكن العودة سهلة، ولم تكن طريقًا مفروشًا باليقين.
كانت خطواتي مثقلة بالخذلان، وذاكرتي مزدحمة بالوجع، وقلبي تائهًا بين ما كان وما لم يكن.
ظننت أني قادرٌ على المضي وحدي، أنني أملك ما يكفيني من القوة لأواجه العالم دون سند.
لكنني كنت مخطئًا… فكل قوةٍ لا تستمد نورها من الله، مصيرها أن تنطفئ.
في زحام الأيام، تاهت ملامحي، وغابت ابتسامتي، وبدأت أفتقد نفسي شيئًا فشيئًا.
كنت أبحث عن الطمأنينة في الناس، في العلاقات، في المال، في النجاح… فلم أجد إلا فراغًا أكبر كلما ظننت أنني اقتربت.
حتى جاء يومٌ شعرت فيه أني أعيش بلا روح، أن قلبي لم يعد يسمع، وأنني مهما ابتسمت، فالحزن يسكنني من الداخل.
عندها فقط… رفعت رأسي إلى السماء.
لا بكلماتٍ كثيرة، ولا بدعاءٍ منمّق، بل بهمسةٍ صادقة خرجت من قلبٍ مكسور: “يا رب، لقد تعبت… خذ بيدي.”
ومن تلك اللحظة، تغيّر كل شيء.
لم تختفِ أحزاني بين يومٍ وليلة، لكني بدأت أتنفس من جديد.
بدأت أشعر أن لله في قلبي مقامًا لم أشعر به من قبل، وأن الطمأنينة لا تُشترى، بل تُمنَح لمن صدق في العودة.
عدتُ إلى الله لا لأنني فقدت كل شيء، بل لأنني أدركت أن كل شيء دونه لا يساوي شيئًا.
عدت لأن الحياة بدونه لونها باهت، وصوتها صامت، وروحها غائبة.
عدت لأنني وجدت في قربه عزاءً لا يُقال، ودفئًا لا يُشبهه دفء، وغفرانًا يسبق حتى طلبي له.
تعلمت أن الله لا يغلق بابه في وجه العائدين، وأنه مهما طال الغياب، تظل الطريق إليه مفتوحة، تُناديك كلما ضللت: “ارجع، فالرحمة هنا.”
واليوم…
حين أنظر إلى الوراء، لا أندم على ضياعي، لأن ذلك الضياع هو الذي دلّني على الطريق.
وكل جرحٍ عشته كان يدفعني خطوةً نحو النور.
عدت إلى الله… فوجدت نفسي.
