كتب… أحمد رشدى
..حين يغيب الاهتمام تحضر الزوجة الثانية..
في كل بيت حكاية لا تُروى كاملة إلا بين جدرانه تبدأ الحكاية بامرأة حملت همّ بيتها ووهبت عمرها لأولادها ترعاهم وتسهر لأجلهم وتنسى نفسها بين دروسهم ومرضهم ومطالبهم حتى تصبح الأم المثالية التي يراها الجميع مثلاً في التضحية لكنها شيئاً فشيئاً تنسى أن في البيت قلباً آخر ينتظر اهتمامها وهو زوجها الذي شعر أنه فقد موقعه في حياتها بين صخب الأطفال ومتاعب اليوم لم يعد يرى منها تلك اللمسة الحنونة ولا الابتسامة الدافئة ولا الكلمة الطيبة التي كانت تجمع بينهما
ومع مرور الوقت يتحول الإهمال العاطفي إلى فجوة تتسع كل يوم يشعر الزوج فيها بأنه لم يعد مهماً أو مطلوباً أو محبوباً فيبحث عن الحنان خارج أسوار بيته وهنا تبدأ فكرة التعدد تتسلل إلى نفسه لا رغبة في الخيانة ولكن رغبة في استعادة ما فقده من دفء المشاعر في بيته الأول وهنا يأتي السؤال الأهم هل التعدد دواء أم دمار
من منظور الدين الإسلامي فإن التعدد ليس باباً مفتوحاً للشهوة بل تشريع إلهي له ضوابطه وحكمه العميقة قال تعالى في كتابه الكريم فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة فجعل الله العدل شرطاً أساسياً لا يقوم الزواج الثاني بدونه والعدل هنا ليس في النفقة فقط بل في العاطفة والاهتمام والمشاعر وهو أمر لا يقدر عليه إلا من خاف الله في أهله
العلماء والفقهاء يؤكدون أن التعدد مشروع حين يكون الهدف منه الإصلاح لا الهروب وأنه لا يجوز أن يكون عقوبة للزوجة أو وسيلة انتقام لأن الزواج عبادة قبل أن يكون علاقة اجتماعية والمجتمع بدوره ينظر إلى التعدد اليوم بعين الريبة والخوف نتيجة سوء التطبيق لا التشريع فكم من بيوت تهدمت لأن التعدد كان قرار غضب لا قرار عقل
أما من الناحية النفسية والاجتماعية فيقول الخبراء إن إهمال الزوجة لزوجها بعد الإنجاب من أكبر أسباب الخلافات الزوجية فالمرأة حين تضع كل طاقتها في تربية الأبناء وتنسى احتياج الزوج العاطفي والجسدي تخلق حالة فراغ داخلي في قلبه يبحث عن من يملؤها وقد لا يقصد الرجل ظلماً لكنه يجد نفسه منجذباً لمن تمنحه ما فقده في بيته
وفي المقابل لا بد أن ندرك أن الزوج مطالب أيضاً بأن يقدر تضحيات زوجته وأن يساندها في مسؤولياتها وأن يكون عوناً لها لا عبئاً جديداً عليها فكما أن الزوجة تهمل أحياناً دون قصد فإن الزوج كذلك قد يخطئ حين يطلب منها أن تكون كما كانت قبل الأولاد دون أن يشاركها عناء التربية والتعب
إن العلاج الحقيقي لا يكمن في تعدد بلا مبرر ولا في إهمال يقود إلى الفتور بل في عودة كل طرف إلى الآخر بنية الإصلاح والتجديد فالحياة الزوجية مثل الحديقة إن تُركت من غير رعاية ذبلت وإن سقيت بالمودة تجددت وأزهرت
لقد علّمنا الإسلام أن المرأة ريحانة البيت وسكن الرجل وأن التعدد إنما شرع للرحمة لا للقسوة وللعفة لا للانتقام فليت كل زوجة توازن بين حبها لأبنائها وحق زوجها وليت كل رجل يتذكر أن الوفاء ليس في البقاء جسداً بل قلباً ووجداناً فمن حفظ الأمانة حفظ الله بيته وسكن قلبه
المصادر: القرآن الكريم صحيح البخاري مسلم فتاوى دار الإفتاء المصرية آراء خبراء علم النفس والاجتماع
