بقلم…أحمد رشدى
في الحياة العادية، تدفع بالنقود، بالوقت، أو ببعض الجهد. لكن في الأماكن التي تقع خارج خارطة العقل، يصبح الثمن شيئًا أكثر جوهرية. دائمًا ما يكون الثمن هو الدم. إنه ليس رمزًا للقوة أو التضحية، بل هو الاعتراف الأخير بالهزيمة. أنك وصلت إلى نهاية الطريق، ولم يتبقَ لديك شيء تقدمه سوى السائل الأحمر القذر الذي يجعلك إنسانًا. الكهف لا يحتاج دمك ليفتح، بل ليثبت لك أنك لا تملك شيئًا سواه.
كان الفجر لم يطلع بعد، لكن الضوء في الممرّ الحجري ازداد لمعانًا كلما اقترب عادل من عمق الكهف. صار الهواء أثقل، والرطوبة تحوّلت إلى رائحة صدأٍ ودخانٍ قديم. كان يسمع في الأرجاء طنينًا خافتًا أشبه بهمهمةٍ من عالمٍ آخر، وكأن الجبل نفسه يتنفّس بصعوبة.
اقترب من الجدار، فلم يجد المرآة، بل وجد بدلًا منها رموزًا حمراء متوهّجة، محفورة كأنها خُطّت بدمٍ بشريٍّ حديث. مدّ يده بحذر، فإذا بحرارةٍ لاذعة تخترق جلده، والرمز ينفتح كـعينٍ داميةٍ تُطلّ من الجدار.
خرج منها صوتٌ متقطّع، يتردد داخل رأسه– الدم… هو المفتاح… افتح لنا بالدم.
ثم سمع خطى تأتي من خلفه — بطيئة، ثقيلة، تنزلق فوق الحصى الرطب. التفت فجأة… فإذا بشخصٍ مغطّى بالتراب، ملامحه نصفها إنسان ونصفها حجر. الحارس الأخير.
– لقد حاولتُ من قبلك… لكن الدم لم يكن لي وحدي.
– ما هذه الرموز؟
– إنها أسماء الذين دخلوا… وكل اسمٍ لا يُمحى إلا بدمٍ جديد.
شعر عادل بالبرودة، والهمسات تتعالى: “أضِف دمك… أضِف دمك…”
في تلك اللحظة، رأى عادل بين الرموز الحمراء اسمه منقوشًا بالفعل!
شهق وتراجع خطوة. لكن الجدار أجاب بصوتٍ عميقٍ كالرعد “كُتب حين سمعت النداء الأول.”
أمسك عادل بالخنجر، متأرجحًا بين الهروب والاستسلام. لكن الحارس مدّ له يده الملطّخة بالدماء: “أكمل ما بدأته… وإلا ستبقى هنا إلى الأبد.”
غرز عادل الخنجر في كفّه. تدفّق الدم وسقطت قطراتٌ على الرموز، التي اشتعلت بنورٍ أحمرَ صارخ. ثم انفتح الجدار فجأة كفمٍ هائل، وابتلعه في ظلامٍ أبديٍّ مصحوبٍ بصوتٍ واحدٍ فقط، صوت الكهف الواثق “لقد دخلت الدائرة… ولم يعد في وسعك العودة.”

1 تعليق
جهد جميل و اسلوب ممتاز و اتمنى لحضرتك التوفيق و في انتظار المزيد