بقلم… أحمد رشدي
هناك مقولة قديمة حمقاء تزعم أن المرآة لا تكذب. بالطبع هي لا تكذب، لكنها لا تقول الحقيقة كاملة. في معظم الأوقات، المرايا تريك شيئًا أسوأ: صورتك المضحكة. لكن في كهف الأسرار، المرآة السوداء كانت أكثر صدقًا؛ لم ترِ عادل وجهه، بل أرته الضريبة التي دفعها الآخرون، والأهم الضريبة التي تنتظره.
الجحيم، يا صديقي، ليس نارًا، بل هو النظر إلى وجوه من فشلوا قبلك وهم يضحكون عليك.
ارتجف عادل وسحب يده، فإذا بـصدع يظهر على المرآة السوداء. كانت الوجوه داخلها تتحرك بعنف، وكأنها تحاول الهرب من شقٍ ضيق. أدرك أن هذه المرآة لم تكن لتعكس الماضي، بل لـتُظهر الحقيقة المزعجة للمكان.
التفت عادل ليركض، لكن الكهف لم يعد هو نفسه. الجدران الضيقة التي دخل منها صارت واسعة وعميقة، والممر الواحد تحول إلى متاهة رطبة. كان الكهف يلعب معه لعبة القط والفأر، والأسوأ أنه لم يخبره بأي دور منهما يلعبه.
الهمسات بدأت. لم تعد صوتًا واحدًا، بل آلاف الأصوات تتداخل. همسات تشبه الدعوات، تارة بالكنز، وتارة بالحكمة المطلقة، وتارة… بالسلام الأبدي.
ركض عادل، بينما كانت الوجوه في المرآة تتحول إلى ظلٍّ واحدٍ طويل يتبعه على الجدار. لم تكن المطاردة جسدية بقدر ما كانت نفسية. كان يطارد شيئًا، أو بالأحرى، كان شيئًا يطارده من الداخل.
وصل إلى مفترق طرق. على اليمين، سمع صوت الماء يجري. وعلى اليسار، شعر بهواء دافئ وثقيل. لم يكن أمامه وقت للتفكير في التفاصيل المملة للهندسة المعمارية للكهوف.
اختار اليسار، حيث الدفء الغريب.
فجأة، توقفت الوجوه عن مطاردته في المرآة. وفي الممر المظلم، وجد شيئًا كان ينتظر إدراكه منذ الأزل: خنجر صدئ ملقى على الأرض. كان الخنجر يحمل نقشًا غريبًا لـعين واحدة مفتوحة.
ما إن التقطه، حتى سمع صوتًا جديدًا وقويًا يخرج من الجدار المقابل: “أنت الآن مسلح. أنت مستعد للدائرة.”
لم تكن المرآة السوداء هناك، بل كانت الجدران تتوهج ببطء بلونٍ أحمر قاتم. عرف عادل أن البداية كانت مجرد دعابة سخيفة، وأن الرعب الحقيقي لم يبدأ بعد

1 تعليق
من الجميل ان نجد شي جيد يقراء في هذه الايام
لك منا كل الدعم
و نرجو منك المزيد