بقلم / د.نادي شلقامي
تحت سماء مدينة السلام، شرم الشيخ، التقى العالم على طاولة واحدة بهدف إنهاء واحد: وقف نزيف غزة وفتح مسار للسلام المستدام في الشرق الأوسط. القمة الدولية التي استضافتها مصر مؤخراً، لم تكن مجرد اجتماع للقادة، بل كانت نقطة تحول دبلوماسية حرجة تُوجت بالتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار وتحديد معالم المرحلة القادمة. فما هي الدلالات العميقة، والنتائج الملموسة التي خرجت بها قمة شرم الشيخ، وكيف ستعيد تشكيل المشهد سياسياً وإنسانياً على المستويات المصرية والعربية والدولية؟ نستعرض في هذا التحليل الدقيق كافة الشواهد والطموحات التي انبثقت عن هذا التجمع التاريخي.
دلالات ونتائج قمة شرم الشيخ للسلام
أسفرت قمة شرم الشيخ للسلام (أكتوبر 2025) عن مجموعة من الدلالات والنتائج الهامة على المستويات المصرية والعربية والدولية، بالإضافة إلى طموحات مستقبلية تهدف إلى إرساء السلام والاستقرار الإقليمي.
أولا… علي الصعيد المصري
1-الدلالات
أ- تأكيد الدور المحوري والقيادي: رسخت القمة دور مصر كطرف محوري ورئيسي لا يمكن تجاوزه في أي جهود لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ب- نجاح دبلوماسي: مثّلت القمة انتصارًا لرؤية مصر تجاه القضية الفلسطينية، خاصة في رفض مخططات التهجير والحفاظ على القضية كقضية وطنية.
النتائج والشواهد
أ- إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار: كان الشاهد الأبرز هو التوقيع على اتفاق شامل لإنهاء الحرب في غزة، بمشاركة الرئيس المصري ونظيره الأمريكي ورؤساء تركيا وقطر، ما أدى إلى وقف فوري لإطلاق النار وسحب القوات الإسرائيلية.
ب- تسهيل المساعدات: تم الاتفاق على إنشاء آلية إنسانية دولية لضمان تنسيق دخول المساعدات وتوسيع معبر رفح لزيادة عدد الشاحنات يوميًا، مؤكدة على دور مصر كبوابة إنسانية رئيسية.
3-الطموحات
أ- تعزيز الاستقرار الحدودي: السعي لتأمين المناطق الحدودية وتفادي أي تهديدات أمنية مستقبلية.
ب- قيادة إعادة الإعمار: تطلّع مصر لاستضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة لاحقًا في نوفمبر، مما يؤكد على دورها القيادي في المرحلة الإنسانية والإنعاش.
ثانيا… على الصعيد العربي
1-الدلالات
أ- توحيد الموقف: أظهرت القمة أهمية التنسيق والعمل العربي المشترك في مواجهة الأزمات الإقليمية، والدفع نحو حلول عادلة للقضية الفلسطينية.
ب- وضع العالم أمام المسؤولية: ساهمت القمة في لفت انتباه العالم بوضوح إلى مسؤولياته تجاه الأزمة الإنسانية وحقوق الشعب الفلسطيني.
2-النتائج والشواهد
أ–دعم دولي لإعادة الإعمار: إطلاق صندوق دولي لإعادة إعمار غزة برعاية أممية بقيمة أولية كبيرة، بمشاركة ودعم دول عربية مثل قطر التي أعربت عن سعادتها بالنتائج الإيجابية.
ب- رفض التهجير: التأكيد العربي الدولي على رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء من غزة أو الضفة الغربية، كخط أحمر.
3-الطموحات
أ- الأفق السياسي للدولة الفلسطينية: تكثيف الجهود الدبلوماسية للانتقال من مرحلة وقف إطلاق النار إلى مسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ب- تعزيز الأمن الإقليمي: تطلّع عربي لـ “إعادة صياغة معادلة الأمن الإقليمي” من خلال حل شامل ينهي أسباب التوتر الأساسية في المنطقة.
ثالثا… على الصعيد الدولي
1-الدلالات
أ- إحياء الزخم الدبلوماسي: أعادت القمة الزخم لجهود إنهاء الصراع وإحلال الاستقرار في الشرق الأوسط، بعد فترة من الركود أو التركيز على قضايا أخرى.
ب- تعددية الأطراف: دلّت مشاركة قادة من نحو 27 دولة ومنظمات دولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية) على أن الحل يتطلب تضافر جهود دولية وليست مجرد جهود طرفين متصارعين.
2-النتائج والشواهد
أ- خطة عمل متعددة المسارات: تمخضت القمة عن وثيقة ختامية تضمنت خطة عمل تشمل المسارات الأمني، والإنساني، والسياسي.
ب- آلية مراقبة دولية: الاتفاق على تشكيل آلية مراقبة دولية متعددة الأطراف لضمان تثبيت الهدنة وتنفيذ الالتزامات المتفق عليها.
ج- الالتزام بـ “لا احتلال ولا ضم”: التأكيد على أن إسرائيل لن تحتل أو تضم غزة، وأن المنطقة ستكون خالية من التهديدات الأمنية.
3-الطموحات
أ-التعايش السلمي والمزدهر: التطلّع إلى فتح حوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي يهدف إلى تعايش سلمي ومزدهر في المنطقة.
ب- تفعيل الدعم المالي العالمي: حشد الدعم لضخ التمويل اللازم لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في غزة.
لقد نجحت قمة شرم الشيخ في تحقيق هدفها الأولي بإنهاء القتال ووقف نزيف الدم، مؤكدة الدور المحوري لمصر وثقل الإرادة العربية المشتركة. ومع ذلك، فإن الوثيقة الختامية والاتفاق الموقع يمثلان خط النهاية للمرحلة الأمنية وبداية التحدي الحقيقي: مرحلة السلام المستدام. تظل الطموحات معقودة على تنفيذ الالتزامات المتعلقة بإعادة الإعمار، وتفعيل الآلية الدولية للمساعدات، والأهم، البدء الجدي في رسم الأفق السياسي لدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. إن شرم الشيخ أعادت للقضية الفلسطينية زخمها، ووضعت الكرة في ملعب التنفيذ. فهل ينجح المجتمع الدولي، بقيادة الأطراف الإقليمية، في تحويل هذه الوعود الدبلوماسية إلى واقع ينهي دورة العنف ويحقق لشعوب المنطقة ما تصبو إليه من أمن، وازدهار، وسلام عادل؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.
