كتبت :هبة فهمي
احترام الكبير: ركيزة الأخلاق وضمانة الترابط الاجتماعي
يُعد احترام الصغير للكبير قيمة أخلاقية وإسلامية عظيمة، وركيزة أساسية لترابط وتماسك أي مجتمع سليم. هذه القيمة ليست مجرد عرف اجتماعي، بل هي واجب ديني واجتماعي، حيث أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله الشريف: “ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”، ما يؤكد مكانتها كجزء أصيل من هويتنا.
يُعبّر الصغير عن هذا الاحترام بتقديره للخبرة والفضل والسن، وتظهر مظاهره في العديد من السلوكيات الراقية، والتي تُشكل في مجموعها واجبات الصغير تجاه الكبير:
واجبات الصغير في توقير الكبير
* التقديم في كل شيء: إعطاء الكبير الأولوية في الحديث والمشي، وعند الدخول للمجلس وعدم الجلوس قبله، وكذلك في تقديم الطعام والشراب إليه أولاً.
* حسن الاستماع وعدم المقاطعة: الإنصات باهتمام لحديثه، وتجنب مقاطعته حتى عند الاختلاف في الرأي. ويجب أن يكون التحدث معه بأدب وصوت منخفض، وتجنب الردود الجارحة.
* التوقير والمساعدة: الوقوف له عند قدومه كدليل على الاحترام، وتقديم المساعدة له في الأمور التي قد يعجز عنها، مثل حمل الأمتعة أو عبور الشارع.
* الاهتمام والتراحم: تخصيص وقت لقضائه معه وعدم إشعاره بالوحدة، والسؤال عن حاله وحاجياته، والدعاء له بالصحة والعافية.
التحديات التي تهدد هذه القيمة
للأسف، تشهد هذه القيمة الأخلاقية تراجعًا ملحوظًا في أيامنا هذه، وهو ما يهدد بتفكك النسيج الاجتماعي وزيادة الفجوة بين الأجيال. ويعود هذا التراجع إلى عدة عوامل رئيسية:
* التغيرات الاجتماعية السريعة: وما يصاحبها من تغيير في مفاهيم الأدوار الاجتماعية.
* تأثير الثقافة الغربية: التي قد تقلل من قيمة السن والخبرة في بعض جوانبها.
* ضعف دور الأسرة والمدرسة: في غرس هذه القيمة والتأكيد عليها من خلال القدوة والتربية المباشرة.
* الاعتماد المفرط على وسائل التواصل: التي أوجدت مساحات للتعبير غير المنضبط، وأتاحت التجاوز اللفظي دون ضوابط.
الدعوة إلى الإحياء
إن هذه المظاهر ليست مجرد شكليات، بل هي أدب أصيل يعود بالنفع على المجتمع كله، فمن يوقر كبيره الآن سيجد من يوقره مستقبلاً.
لذلك، يتطلب الأمر تضافر الجهود لإعادة إحياء هذه القيمة الجليلة. يجب أن تبدأ العملية بالتربية الأسرية القائمة على القدوة الحسنة، وتفعيل دور المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية في التأكيد على أهمية احترام الكبير كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والدينية.
