سي السيد ورحلة البحث عن الرغيف المفقود!

بقلم/ السيد عيد
في أحد أيام رمضان، وبالتحديد اليوم الحادي عشر كان سي السيد مستلقيًا على الأريكة، يتابع برامج الطبخ التي تعرض أكلات لا يستطيع حتى تخيلها، صدر الأمر العسكري من أمينة:“قوم هات العيش قبل ما يخلص!”
نظر إليها كأنه سمع خبر تعويم جديد للجنيه، لكنه أدرك أن التفاوض معها سيكون أكثر صعوبة من الحصول على قرض بدون فوائد. فإما أن يحضر العيش، أو يواجه إفطارًا خاليًا من أي مظاهر الحياة!
ما إن وصل حتى وجد مشهدًا مألوفًا لكل مواطن شريف:
رجال يناقشون أسعار الطماطم وكأنهم يحللون سوق البورصة، أطفال يجرون وكأنهم في سباق ماراثوني، ونساء يحملن قوائم مشتريات تكفي لإطعام معسكر تدريب!
وقف في نهاية الطابور محاولًا التأقلم، لكن سرعة الصف كانت تنافس سرعة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية… “تتحرك، لكن لا تصل!”
بعد عشر دقائق، بدأ يشعر بالندم…
بعد عشرين دقيقة، بدأ يفكر: هل سأفطر هنا أم في البيت؟
بعد نصف ساعة، سمع العبارة القاتلة:
“يا جماعة العيش خِلِص… هيخبزوا من جديد !”
وهنا، عرف سي السيد أنه دخل المنطقة الخطرة، حيث البقاء للأقوى، أو بالأصح… لمن له واسطة!
حاول أن يستغل ذكاءه للخروج من الأزمة:
اقترب من رجل مسنّ قائلاً:
“يا حاج، ممكن أتقدم قدامك؟ عندي عيال جعانة!”
لكن الرجل نظر إليه نظرة مسؤول حكومي عند سماع كلمة “دعم” وردّ بجفاء:
“كلنا جعانين يا ابني… استنى زيّنا!”
حاول التفاوض مع طفل صغير قائلاً:
“حبيبي، هديك عشرة جنيه لو سبّت لي مكانك!”
لكن الطفل انفجر ضاحكًا:
“إنت عايزني أفرّط في العيش؟ ده أغلى من الفلوس في رمضان!”
وأخيرًا، وبعد ساعتين من العناء، حصل سي السيد على 10أرغفة من الخبز، خرج من الفرن كأنه عاد من معركة، لكنه لم يهنأ بلحظة انتصاره…
الكارثة الكبرى!
فجأة، ومن العدم، ظهرت قطة رمضان المدربة، قفزت كالسهم، خطفت كيس العيش، وهربت في لمح البصر كما تختفي الوعود بتحسين مستوى المعيشة!
وقف سي السيد مصدومًا، بينما اقترب منه بائع مناديل وربّت على كتفه قائلاً:
“ربنا يعوض عليك يا باشا… القطط هنا أذكى من اللي بيرفعوا الأسعار!”
عاد إلى المنزل محطمًا، ليجد أمينة في انتظاره، تضع يدها على خصرها وتقول:
“فين العيش؟!”
تنهد وقال بأسى:
“في بطن قطة جائعة… ادعيلي ربنا يعوض علينا!”
ومنذ ذلك اليوم، أصبح الدليفري هو الحل الرسمي لعائلة سي السيد، بينما جلس يتأمل الحياة قائلاً بحكمة:
“لو كنت بصبر الطوابير، كان زماني استحملت الغلاء بدل ما أستحمل فرن العيش!”