بقلم :دارين محمود
في الصباح الذي يولد، يقف العقل بين مملكتين: مملكة اليوم الذي يوشك أن يغمرني، ومملكة الـ “أنا” التي تتأهب للغزو.
تبدأ الهمهمة الخافتة: “من فينا القائد؟”
إن تركتُ زمام أمري لليوم، قادني نحو سيل جارف من الأحداث غير المخططة، نهايته حتمية أُدركها: عتمة تبتلع الضوء، واستسلام يأتي مع إغلاق الجفون. رحلة مجهولة المنعطفات لكنها غير مألوفة المصير.
وإن شددتُ أنا على الزمام، أعلنتُ سيادتي على اللحظة، فاليوم ليس سوى صفحة بيضاء سأخط عليها ما أشاء. عندئذٍ، سأقوده نحو نهاية أعرفها جيداً، نهاية كل يوم مرّ: جهد، وإنجاز، خيبة ،اشتياق ،صمت ،سفر ،رحيل ،ثم تكرار.
لكن بين هذين الصارمين، يقف حكمٌ صامت.
تلك هي اللحظة المذابة في بخار فنجان القهوة.
هو الرفيق الثابت الذي لا يسأل، ولا يحكم، فقط يمنح الدفء واليقظة. أُمسك بالخزف الدافئ، كأنني أُمسك ببوصلة الزمن. الرائحة العميقة هي إعلان عن ميلاد القرار.
في تلك الرشفة، تذوب الحدود:
إن كنتَ اليومَ القائد، فأنا أحتاجك يا قهوتي لأرى الطريق بوضوح.
وإن كنتُ أنا القائد، فأنا أحتاجك يا قهوتي لتكون وقودي وإلهامي.
القهوة ليست مجرد مشروب؛ إنها المرسى الوحيد في ميناء البدايات. هي الشاهد الذي يرى الصراع في العينين، ويرى العزم في اليد المرتعشة قليلاً وهي ترفع الفنجان.
تنتهي الرشفة… ويهدأ السؤال.
لأنني أدركتُ أن القائد الحقيقي ليس أنا ولا اليوم، بل هي لحظة اليقظة التي يمنحها الفنجان، التي تسمح لي بأن أعيش اليوم بوعي، بغض النظر عن المسار.
