بقلم : أحمد رشدي
في خطوة أثارت دهشة الأوساط الثقافية والفنية أعلن معهد بانتون للألوان اختيار الأبيض بدرجته المسماة راقصة السحاب كلون للعام 2026 وهو قرار بدا لكثيرين خارج توقعات المشهد العالمي
في وقت تتسارع فيه التغيرات وتتراكم فيه الضغوط النفسية والاجتماعية وقد برر المعهد اختياره بأن هذا الأبيض الناصع يمثل حالة من الصفاء والهدوء في مجتمع بات في أمسّ الحاجة إلى لحظة تأمل يعيد فيها الإنسان تقييم إيقاع حياته ويفتح الطريق أمام خيال ممدود ورغبة صادقة في بداية جديدة
لوري بريسمان نائبة رئيس المعهد أوضحت في حديثها إلى شبكة سي إن إن أن اللون الجديد يحمل تأثيراً مهدئاً لعالم يضيق بزخمه التكنولوجي المتزايد
مؤكدة أن للأسماء قوة لا تقل عن الألوان نفسها فمجرد سماع اسم راقصة السحاب يخلق صورة ذهنية حالمة تستدعي الخفة والهدوء والصفاء وأضافت أن الأبيض كان دائماً رمز البدايات الجديدة والصفحات التي لم تُكتب بعد وهو ما يجعل اختياره للعام 2026 امتداداً لحاجة الإنسان إلى مساحة من الضوء الخالص وسط عتمة ضجيج الواقع
وعلى الرغم من التكتم المعتاد الذي يحيط بطريقة اختيار لون العام منذ انطلاق المبادرة عام 1999 فإن الفريق المختص في بانتون يواصل بحثه الدقيق في الاتجاهات الثقافية والسياسية والفنية قبل الوصول إلى الدرجة النهائية مع منح الاسم قدراً كبيراً من الأهمية بوصفه مفتاحاً لروح اللون وجمالياته ورسالته وقد شهدت السنوات السابقة اختيارات جريئة من المعهد كان أبرزها عام 2024 حين أعلن لون موكا موس ليكون أول لون بني يدخل القائمة منذ تأسيس المبادرة
ورغم أن راقصة السحاب استقبلت بحفاوة في أوساط فنية رأت فيها امتداداً لمدارس التجريد والفراغ فإن أصواتاً أخرى انتقدت القرار وذهبت لاعتباره اختياراً مبالغاً فيه وربطته بعض القراءات بمدلولات عنصرية
بينما فضلت بعض المنصات الثقافية التعامل معه كحدث يحمل دلالات متعددة تتراوح بين البساطة القصوى والرغبة في إعادة تعريف الجمال من خلال الضوء الصافي وحده
صحيفة نيويورك تايمز أعادت النقاش إلى الواجهة باستضافة أربعة من الخبراء لمناقشة خلفيات القرار فجاءت الآراء مختلفة بين من اعتبر اللون تعبيراً صادقاً عن حاجة المجتمعات للهدوء ومن رأى فيه موقفاً جمالياً وفلسفياً يستند إلى فكرة المساحة البيضاء التي تُفسح مجالاً للخيال ومن ربطه بالتحولات السياسية التي تعيشها العواصم الغربية
ويستعد بانتون لمجموعة من الشراكات الفنية المصاحبة لاختيار اللون الجديد إذ من المنتظر أن يشارك فنانون من مجالات متنوعة في إطلاق تصميمات وإصدارات محدودة تستلهم راقصة السحاب وتعيد تقديم الأبيض في صور معاصرة تجمع بين البساطة والابتكار
بهذا الاختيار يعلن الأبيض حضوره بوصفه دعوة مفتوحة للتأمل وإعادة اكتشاف الذات وكأن بانتون يقول إن العالم لم يعد بحاجة إلى ألوان صاخبة بقدر حاجته إلى مساحة نقيّة يستعيد فيها الإنسان طمأنينته ويعيد ترتيب فوضى أيامه في بداية تبدو وكأنها صفحة بيضاء جديدة تنتظر ما سيكتبه عليها البشر في عام 2026.
