بقلم: أحمد رشدي
تمرّ الذكرى الخامسة لرحيل الكاتب الكبير الدكتور نبيل فاروق، فتستيقظ في الذاكرة أصواتُ أبطالٍ عاشوا بين دفّات كتبه وكأنهم جزء من تفاصيل أيامنا.
لم يغب اسمه لحظة عن وجدان قرّائه، وظلّ حضوره ثابتًا في المشهد الثقافي العربي،
ليس بما خلّفه من أعمال فحسب،
بل بما زرعه من شغفٍ معرفي وحبٍ عميق للقراءة في نفوس ملايين الشباب.
شكّل الدكتور نبيل فاروق حالةً فريدة في تاريخ الأدب العربي المعاصر؛
فقد امتلك قدرة استثنائية على المزج بين الخيال والحقيقة، وبين العلم والمغامرة، وبين المتعة والوعي، ليخلق عالماً سرديًا متماسكًا يصعب تكراره. خاض في ميادين شتّى،
فأبدع في أدب الجاسوسية،
وابتكر أسسًا عربية لخيال علمي متين،
وخاض عالم الرعب والاجتماعي والرومانسي، وكتب للأطفال والكبار،
مؤكدًا أن الكاتب الحقيقي هو من تتّسع روحه لكل قارئ.
رحلته الإبداعية كانت مثالًا على المثابرة وحب المعرفة؛ فقد درس وقرأ وتعمّق قبل أن يخطّ كلمة واحدة،
فخرجت أعماله مشبعة بالمصداقية، نابضة بالحياة، قادرة على إقناع القارئ وتغيير نظرته للعالم.
ومع ما يقرب من ثمانمائة عنوان في رصيده، صار إرثه الثقافي واحدًا من أكبر ما تركه كاتب عربي معاصر، إرثًا لا يُقاس بعدد الصفحات بل بعدد الأحلام التي أيقظها داخل القلوب.
لم تكن “رجل المستحيل” مجرد سلسلة روايات، بل كانت بوابة جيلٍ كامل نحو المغامرة والانضباط والبحث عن النقاء في عالمٍ معقّد. ولم تكن “ملف المستقبل” مجرّد قصص علمية، بل مِفتاحًا لفهم العلم، وتحفيزًا للخيال، ودعوة مفتوحة للتفكير الحر. وبقلمه صارت الشخصيات العربية خارقة دون أن تفقد إنسانيتها، وقريبة دون أن تذوب في النمطية، وحاضرة في الوجدان رغم مرور الزمن.

في هذه الذكرى الخامسة، يبدو جليًا أن رحيل الجسد لم يُنهِ حضور الروح. فما زالت كتبه تُقرأ، وما زالت شخصياته تُناقَش،
وما زال تأثيره حيًا في كل قارئ بدأ رحلته الأدبية من بين صفحات إحدى رواياته.
إن الأعمال التي تهزّ الوجدان لا تموت،
والكاتب الذي يعلّم أجيالًا كيف يقرؤون وكيف يحلمون وكيف يتخيّلون،
يظلّ حاضرًا مهما تغيّر الزمن.
رحم الله الدكتور نبيل فاروق،
الكاتب الذي أعاد للخيال العربي مكانته، ومنح الأدب الشعبي قيمة جديدة، وترك لنا مدرسة ممتدة لا تزال تخرّج عشاقًا للقراءة حتى اليوم.
لقد غاب الرجل، لكن أثره باقٍ، نابضٌ، متجدّد تمامًا كما يليق بمن صنع أجيالًا من الحالمين.
