بقلم د نبيل سامح
المقدمة
يشكل تغير المناخ أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في العصر الحديث، نتيجة تراكم الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي. ويعد قطاع النفط والغاز من القطاعات الرئيسية المساهمة في الانبعاثات الكربونية، نظرًا لاعتماده على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة ولتوليد الكهرباء والتشغيل الصناعي.
تأتي أهمية التخفيف من تغير المناخ في هذا القطاع من كونه جزءًا حيويًا من الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه يمثل تحديًا بيئيًا كبيرًا. التخفيف هنا يعني تبني استراتيجيات وتقنيات تقلل من الانبعاثات الغازية، وتزيد من كفاءة استخدام الطاقة، وتساهم في الانتقال نحو ممارسات أكثر استدامة.
أهمية التخفيف من تغير المناخ في قطاع النفط والغاز
حماية البيئة: يقلل التخفيف من الانبعاثات من التأثير الضار على البيئة، بما في ذلك الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية الشديدة.
الاستدامة الاقتصادية: من خلال تحسين كفاءة الطاقة وتقليل الهدر، يمكن تحقيق وفورات مالية طويلة المدى وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي.
تحسين صورة الشركات: الشركات التي تعتمد ممارسات مستدامة في إنتاج الطاقة تكسب سمعة إيجابية لدى المستثمرين والعملاء، وتعزز قدرتها التنافسية.
الامتثال للمعايير الدولية: على الرغم من أننا لا نناقش القوانين، إلا أن تبني استراتيجيات التخفيف يعكس التزامًا بالمعايير البيئية العالمية.
مصادر الانبعاثات في قطاع النفط والغاز
تنشأ الانبعاثات في قطاع النفط والغاز من عدة عمليات، أبرزها:
الاستخراج والتكرير: تولد العمليات الغازية والانبعاثات الثانوية نتيجة حرق الوقود وتشغيل المعدات.
نقل النفط والغاز: يتسبب استخدام الشاحنات والأنابيب والمعدات الثقيلة في إطلاق غازات دفيئة.
استخدام الوقود: احتراق الوقود الأحفوري في المصانع والمولدات يؤدي إلى زيادة تركيز الغازات في الغلاف الجوي.
فهم هذه المصادر يساعد في تصميم استراتيجيات فعالة لتقليل الانبعاثات.
استراتيجيات التخفيف من تغير المناخ
1. تحسين كفاءة الطاقة
زيادة كفاءة استخدام الطاقة في جميع مراحل العمليات النفطية، من الاستخراج إلى التكرير والنقل، تساهم بشكل مباشر في تقليل الانبعاثات. يمكن تحقيق ذلك من خلال تقنيات مبتكرة لتقليل الهدر وتحسين استهلاك الوقود في المعدات والمولدات.
2. استخدام مصادر طاقة منخفضة الانبعاثات
يشمل ذلك دمج الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية لدعم العمليات النفطية، مما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري. هذه المصادر توفر كهرباء نظيفة لتشغيل المعدات والمضخات وأنظمة التحكم.
3. التقاط الكربون وتخزينه
تقنيات التقاط الكربون (Carbon Capture) تمكن من حجز ثاني أكسيد الكربون قبل إطلاقه في الغلاف الجوي، وتخزينه في أماكن آمنة تحت الأرض. هذه التقنية تساعد على تقليل الانبعاثات بشكل كبير دون التأثير على إنتاج النفط والغاز.
4. تحسين إدارة النفايات والغازات الثانوية
تعمل إدارة النفايات والغازات الثانوية على تقليل الهدر والتحكم في الغازات المنبعثة، بما في ذلك الميثان والغازات الدفيئة الأخرى. يمكن استخدام بعض هذه الغازات كوقود لتوليد الطاقة، مما يحول الهدر إلى مصدر مفيد.
5. الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي
التحول الرقمي واعتماد التقنيات الذكية مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء يساهم في مراقبة استهلاك الطاقة بدقة وتحسين عمليات الإنتاج، ما يقلل الانبعاثات ويزيد كفاءة العمليات.
الفوائد البيئية والاقتصادية
خفض الانبعاثات الغازية: يقلل اعتماد التقنيات المبتكرة والطاقة المتجددة من الكربون والميثان.
تحسين كفاءة العمليات: تقنيات الطاقة النظيفة والتحكم الذكي تساهم في تقليل الهدر وتحسين الأداء.
دعم الاستدامة المؤسسية: تبني استراتيجيات التخفيف يعكس التزام الشركات بالاستدامة ويعزز سمعتها الدولية.
توفير الطاقة والتكاليف: تقليل استهلاك الوقود الأحفوري يؤدي إلى وفورات مالية طويلة المدى.
التحديات المرتبطة بالتخفيف
التكاليف الأولية: تحتاج التقنيات الحديثة مثل الطاقة المتجددة والتقاط الكربون إلى استثمارات كبيرة في البداية.
التقلب في مصادر الطاقة المتجددة: قد تؤدي الظروف الجوية المتغيرة إلى عدم استمرارية إنتاج الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، ما يستلزم وجود أنظمة تخزين فعالة.
تعقيد العمليات التشغيلية: إدخال تقنيات جديدة يتطلب تدريبًا ومهارات فنية عالية لضمان التشغيل الأمثل.
التوازن بين الإنتاج والاستدامة: يجب ضمان أن تقليل الانبعاثات لا يؤثر على كفاءة الإنتاج وجودته.
آفاق المستقبل
يتجه قطاع النفط والغاز عالميًا نحو دمج تقنيات التخفيف بشكل أكبر، مع التركيز على الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي. من المتوقع أن تصبح أنظمة الطاقة المتجددة، وتخزين الكربون، والمراقبة الذكية جزءًا أساسيًا من عمليات الحقول النفطية.
كما يسهم هذا التوجه في تحقيق أهداف الاستدامة العالمية، والحد من آثار تغير المناخ، وضمان توافر الطاقة بشكل آمن ومستدام. الشركات التي تعتمد هذه الاستراتيجيات مبكرًا ستتمتع بقدرة تنافسية أعلى وسمعة قوية في السوق الدولية.
الخاتمة
يعد التخفيف من تغير المناخ في قطاع النفط والغاز خطوة ضرورية نحو استدامة الصناعة وحماية البيئة. من خلال تحسين كفاءة الطاقة، واعتماد الطاقة المتجددة، وتقنيات التقاط الكربون، وإدارة الهدر بذكاء، يمكن للشركات تقليل الانبعاثات وتحسين الأداء الاقتصادي والبيئي.
على الرغم من التحديات المرتبطة بالتكاليف والتقنيات المعقدة، فإن الفوائد طويلة المدى واضحة، حيث تسهم هذه الاستراتيجيات في تحقيق التوازن بين الإنتاج المستدام وحماية المناخ. إن دمج التخفيف من تغير المناخ في العمليات النفطية يمثل خطوة حاسمة نحو مستقبل طاقي أكثر أمانًا واستدامة.
بقلم د. نبيل سامح
-مدير تطوير الأعمال في شركة نيلكو
-مدرب دولي معتمد في قطاع النفط والغاز
-أستاذ في عدة شركات أكاديمية واستشارية للتدريب، بما في ذلك Enviro Oil وZAD Academy وDeep Horizon، وغيرها
-محاضر في جامعات داخل مصر وخارجها
-مساهم في مقالات قطاع البترول لمجلات
Petrocraft وPetrotoday، وغيرها
