بقلم : أحمد رشدى
صحراء قاحلة تمتد بلا نهاية
رمالها تسحق الأفق،
وتبتلع الأمل
أنفاسي تختنق بالهواء الساخن
والشمس عمودية فوق رأسي
كأنها تراقب انهياري بلا رحمة
لا سحابة واحدة
ولا ظل
ولا وعد بالنجاة،
وعلي بعد تتراقص الحرارة
ترسم بحيرات من سراب
أعرف حقيقتها
ومع ذلك
يتعلق بها بصري كالغريق
الذي يعلم أن ما يراه وهم
لكنه يحتاج إلى الوهم كي يستمر
أمشي بخطوات مثقلة
تغوص قدماي في الرمال
كأنني أحمل الجبال فوق حذائي
كل خطوة معركة
وكل نفس هزيمة
الرمال تحيط بي
تراقبني في صمت
كأنها شاهدة على النهاية
أو شريكة فيها
أسأل نفسي
هل أموت هنا
في هذا الفراغ الأصفر
هل يعثر علي أحد
أم أذوب في الصحراء
كما ذاب غيري قبلي
العطش ينهش حلقي
والحر ينهش رأسي
والفكرة الوحيدة التي تتسلل إليّ
لا تخطئ طريقها
هي حبيبتي
سارة…
كيف جاءت صورتها الآن
بهذا الوضوح
بهذا الوجع
أراها كما تركتها
ضحكتها
صوتها
يدها التي كانت تطمئن قلقي
أتخيلها حين تعلم
أني تركت الحياة
أتخيل دمعتها الأولى
صمتها
انكسارها وهي تسأل نفسها
كيف مضى وتركها وحدها
أفكر
هل ستبكي
هل ستقوى على الحياة بعدي
كيف سيكون صباحها دون صوتي
ومساؤها دون انتظاري
تمر الذكريات كالشريط
حب
زواج
وعد
ثم سفر
ثم هذه المهمة
التي قادتني إلى قلب هذا الفراغ
يخونني جسدي
يدور رأسي
تتداخل الصور
أقاوم السقوط
وأقاوم النعاس
فالنعاس هنا موت بطيء
والرمال تلسع وجهي
كأنها توقظني بالقسوة
فتوقظ معها وجعًا آخر
أمي…
أراها جالسة عند الباب
تنتظر عودتي
كما كانت تفعل دائمًا
أسمع صوتها يدعو لي
أشعر بدمعتها
وأختنق أكثر
كم تعبت من أجلي
وكم بكت حين سافرت
وها أنا الآن
أخذل دعاءها
وأخذل قلبها
أترنح…
السماء تدور،
والأرض تميد تحت قدمي،
أكاد أسقط،
ثم أتوقف…
لا أدري لماذا
لكن شيئًا ما في داخلي
يرفض الاستسلام
كأن صوتًا خافتًا يناديني
من بعيد
لا أراه
لكني أشعر به
أرفع رأسي بصعوبة
أحدّق في الأفق
حيث يمتزج السراب بالحقيقة
وحيث لا شيء مؤكد
سوى أنني ما زلت أتنفس
أفكر
ربما لم تأتِ النهاية بعد
ربما الصحراء تمتحن قلبي
لا جسدي
ربما هناك خطوة واحدة فقط
تفصلني عن ظل
عن نجاة
عن حياة أخرى لم تولد بعد
أتشبث بهذه الفكرة
كما يتشبث الغريق بعود صغير
وأمشي
لا لأن الطريق واضح
بل لأن التوقف يعني الفناء
وفي اللحظة التي توشك فيها عيناي على الانطفاء
يلمع شيء بعيد
لا أعرف أهو حقيقة
أم بقايا حلم
لكن قلبي يخفق بقوة
كأنه يقول
ما زال في العمر متسع
ولو لنبضة واح
دة
فأمضي…
بين الموت والنجاة
بين اليأس والرجاء
وأترك للصحراء
أن تقرر
هل كنت عابرًا فيها
أم أنها كانت
طريق عودتي إلى الحياة.
