ديني

الليالي الأخيرة من رمضان.. صمود حتى النهاية

د/حمدان محمد
مع اقتراب شهر رمضان من نهايته، يعيش المسلمون أقدس ليالي الشهر، حيث تتجلى فيها الفرص العظيمة لنيل العتق من النار والفوز برضوان الله. ومع ذلك، تشهد هذه الأيام الأخيرة تباينًا واضحًا في مواقف الناس؛ فمنهم من يثبت على عبادته حتى اللحظات الأخيرة، ومنهم من يتراخى ويستعجل الخروج من السباق الروحي قبل بلوغ خط النهاية.
فإنها لحظات شبيهة بغزوة أحد، إذا صحَّ التشبيه. فهناك من يواصل جهاده حتى النهاية، مدركًا أن الفوز الحقيقي ليس في أول الطريق فقط، بل في الصمود حتى آخر لحظة. وهناك من يغفل عن أهمية الثبات، فينزل عن الجبل قبل الأوان، متوهّمًا أن الغنائم قد حان وقت جمعها، فيفقد بذلك شرف الخواتيم.
فإن العبرة في السباقات الكبرى ليست بمن يتصدر في البداية، بل بمن يصل إلى خط النهاية بقوة وعزيمة. فكما هو الحال في الماراثون، هناك من ينطلق بحماس في أول الطريق، لكنه يضعف عند الأمتار الأخيرة، بينما هناك من يدّخر قوته ليحسم السباق في اللحظات الحاسمة. وكذلك الأمر في العبادات، فقد يكون أحدنا مقصرًا في بداية الشهر، لكنه يجدّ في لياليه الأخيرة، فينال ما لم ينله غيره ممن فترت همته.
وإن ليالي العشر الأخيرة ليست مجرد أيام تمرّ، بل هي كنوز إيمانية لا تقدر بثمن، قد تحمل في طياتها لحظة القبول والعتق التي ينتظرها المؤمن طيلة الشهر. وقد جاء في الحديث الشريف: “إنما الأعمال بالخواتيم”، فكيف نفرّط في تلك الفرصة التي قد تكون مفتاح سعادتنا الأبدية؟
ولكن!!!
كيف نثبت حتى النهاية؟
1. استشعار أهمية اللحظة: عندما يدرك الإنسان أن هذه الليالي قد تكون الأخيرة له، فإنه سيضاعف جهده، متذكرًا أن رمضان ضيف سريع الرحيل.
2. تنظيم الوقت: تقسيم الليل بين الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، والدعاء، والاستغفار يجعل العبادات أكثر سلاسة، ويمنع الشعور بالإرهاق.
3. الصحبة الصالحة: التشجيع المتبادل بين الأهل والأصدقاء للبقاء في حالة عبادة يساعد على الثبات، فالقلوب يحيي بعضها بعضًا.
4. تنويع العبادات: لمنع الفتور، يمكن التنقل بين أشكال العبادة المختلفة، مثل التهجد، والدعاء الطويل، وقراءة القرآن بتدبر.
5. الإكثار من الدعاء بالقبول: فإن القلوب بين يدي الرحمن، وهو وحده الذي يثبت العبد على الطاعة.
فما هي إلا ساعات قلائل، وقد تكون اللحظة الفاصلة بين القبول والحرمان! فلنحرص على أن نكون من الذين يثبتون حتى النهاية، ممن ينالون شرف العتق من النار، ويخرجون من رمضان وقد غُفرت ذنوبهم، ورضي الله عنهم.
ثبتنا الله وإياكم، وجعلنا من المقبولين الفائزين برضوانه.. اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى