المجاعة تهدد أطفال قطاع غزة

د/حسين السيد عطيه
في ظل حصار خانق وقصف متواصل، يواجه قطاع غزة خطر المجاعة على نطاق غير مسبوق، وسط ما تُوصف بأنها سياسة تجويع ممنهجة تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ أشهر. الوضع الإنساني في القطاع ينهار بوتيرة متسارعة، فيما يصمّ المجتمع الدولي أذنيه عن نداءات الاستغاثة.
تقارير أممية حديثة ترسم صورة قاتمة لوضع الغذاء في غزة، لا سيما بين الأطفال والنساء. وتشير بيانات من وكالات تابعة للأمم المتحدة إلى أن أكثر من 92% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا لا يتلقون الحد الأدنى من التغذية الضرورية لنموهم، في حين يعاني نحو 290 ألف طفل دون سن الخامسة، و150 ألف امرأة حامل أو مرضع من نقص حاد في العناصر الغذائية الدقيقة.
منظمة الصحة العالمية بدورها حذرت من تزايد حاد في حالات سوء التغذية، موثّقة ما يقارب 10 آلاف حالة بين الأطفال منذ مطلع العام، من بينهم 1,400 طفل في حالة حرجة تستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً. غير أن الوصول إلى المراكز الصحية بات شبه مستحيل في ظل القصف والانهيار الواسع للخدمات والبنية التحتية.
وكالة “الأونروا” أكدت أن الأزمة الغذائية لا تعود فقط إلى تداعيات الحرب، بل هي نتاج مباشر لسياسات تهدف إلى استخدام الغذاء كأداة للضغط السياسي. ووصفت الوكالة هذه السياسات بأنها “قمة القسوة”، مشيرة إلى أن نموذج توزيع المساعدات المفروض من قبل الاحتلال الإسرائيلي لا يلبي أدنى المعايير الإنسانية.
ورغم التحذيرات المتكررة من منظمات دولية وهيئات إغاثية، لم تُتخذ حتى الآن إجراءات فاعلة لفتح المعابر أو تأمين مرور المساعدات بشكل آمن. كما لم تُبدِ أي جهة دولية استعدادًا لمساءلة قانونية لمرتكبي هذه السياسات، التي ترقى إلى استخدام “التجويع كسلاح حرب” في خرق واضح للقانون الدولي الإنساني.
في هذا السياق، تدعو جهات فلسطينية إلى إعلان غزة “منطقة مجاعة” وفق التصنيف الأممي، وهو ما من شأنه أن يُلزم المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لحماية المدنيين. لكن هذه المطالب تقابل بصمت مطبق من القوى المؤثرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ما يحدث في غزة لم يعد مجرد كارثة إنسانية، بل جريمة مكتملة الأركان تُنفّذ بشكل ممنهج، وعلى مرأى العالم. حرمان السكان من الغذاء والدواء، ومنع وصول المساعدات، وتحويل المعابر إلى أدوات حصار، كلّها ممارسات تُستخدم لإخضاع مجتمع بأكمله.
المطلوب ليس فقط إيصال المساعدات، بل مساءلة سياسية وقانونية تُنهي سياسة الإفلات من العقاب. فاستمرار هذا الصمت الدولي، في ظل ما توفره التقارير من أدلة دامغة، لا يمكن تفسيره إلا كتواطؤ غير مباشر يفاقم المأساة، ويشكك في جدوى النظام الدولي وشرعية مؤسساته.