بقلم السيد عيد
المرض ليس مجرد وجعٍ يطرق الأبواب، ولا حمى تسكن الجسد كضيفٍ ثقيل، بل هو تجربة كاشفة، يُعرّي بها الإنسان هشاشته أمام نفسه، ويضعه وجهًا لوجه مع حقيقته المنسية.
حين يمرض المرء، يدرك فجأة أن جسده الذي كان يركض بلا حساب، يمكن أن يتباطأ، أن يتألم، أن يخذله. المرض يذكّرنا بأننا لسنا آلهة تمشي على الأرض، بل كائنات من لحمٍ ودمٍ ونَفَسٍ محدود.
لكن عجيبٌ أمر المرض… فهو في ظاهره نقمة، وفي باطنه رحمة. يعلّمنا الصبر حين تُثقلنا الآلام، ويعلّمنا الرضا حين نفقد بعض ما اعتدناه من طاقة، ويعيد ترتيب أولوياتنا، فنكتشف أن ضحكة الأحبة، أو كأس ماء بارد، أغلى من كل شيء كنا نلهث وراءه.
المرض لحظة صدق مع النفس… لحظة يُسقط فيها الجسد عنّا أقنعة القوة والصلابة، فلا يبقى إلا الإنسان العاري من غروره، الباحث عن دفء يدٍ تمسح جبينه، أو كلمة صادقة تزرع في داخله عزيمة على المقاومة.
وما أعجب أن المرض، وهو يرهق الجسد، يوقظ الروح. يفتح نوافذ جديدة على التأمل، على الدعاء، على الإيمان بأن الشفاء بيد الله، وبأن كل وجع عابر، مهما طال، ما هو إلا جسر نحو حكمة مخبوءة.
وهنا يظهر معدن الناس… ففي ساعة المرض، تتساقط الأقنعة كما يتساقط الضعف من الجسد، فلا يبقى بجوارك إلا أصحاب الأصل الطيب، أولئك الذين لا يتركونك وحيدًا في محنتك، بل يقاسمونك الألم قبل أن يشاركوك الفرح.
فالمرض، في النهاية، ليس عدواً خالصاً، بل معلّم قاسٍ. يكشف لنا أن الصحة تاج لا يُرى إلا حين يُنتزع، وأن العافية أغلى هدية يملكها الإنسان، وأننا إن خرجنا من محنته، خرجنا أكثر ليناً، وأكثر إنسانية، وأكثر تقديراً لنعمة اسمها: العافية.
