في مجالسنا المزدحمة، ووسط ضجيج المناسبات الاجتماعية، تتردد جملة “عاملين حبايبنا” كشعار لمرحلة بات فيها النـ.ـفاق الاجتماعي عملة سائدة.
خلف تلك الابتسامات العريضة والصور “السيلفي” الجماعية، قد تختبئ صراعات صامتة، ومشاعر تتراوح بين الغيرة والمجاملة القسرية، مما يطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا نصرّ على ارتداء الأقنعة بدلاً من المواجهة أو الانسحاب الهادئ؟
تحول المجتمع في الآونة الأخيرة إلى ما يشبه المسرح الكبير؛ حيث الكل يمثل دور “المحب والمقرب”. فرضت منصات التواصل الاجتماعي ضغوطاً إضافية، فأصبح لزاماً على الفرد أن يظهر في صورة الشخص المحاط بالأصدقاء، حتى وإن كان الواقع يفتقر إلى أدنى روابط الثقة، تلك الظاهرة لم تعد تقتصر على الغرباء، بل تسللت إلى دوائر الأصدقاء المقربين وحتى العائلات.
عندما قمت بالتواصل مع خبراء علم النفس أكدوا لي أن العيش خلف قناع “عاملين حبايبنا” يستنزف الطاقة النفسية بشكل هائل. فالإنسان الذي يضطر لإظهار عكس ما يبطن يعيش في صراع داخلي مستمر، ما يؤدي مع الوقت إلى الشعور بالاغتراب عن الذات. إن التظاهر بالود تجاه أشخاص لا نكنّ لهم مشاعر حقيقية يخلق فجوة من “عدم الأمان” في العلاقات، حيث يتساءل الجميع في قرارة أنفسهم: “من منهم يحبني حقاً ومن يمثل الدور؟”.
هناك خيط رفيع يفصل بين الرقي في التعامل (الإتيكيت) وبين النفاق الاجتماعي. فبينما تتطلب الحياة قدراً من “المجاملة” لاستمرار العلاقات وتجنب الصدامات غير المبررة، إلا أن الوصول لمرحلة “عاملين حبايبنا” -بمعنى التزلف المبالغ فيه مع وجود كراهية أو حقد- هو الذي يسمم الأجواء الاجتماعية ويجعل الصدق عملة نادرة.
إن الهروب من فخ “عاملين حبايبنا” يتطلب شجاعة نفسية للتحرر من قيود “كلام الناس” وضغوط الصورة الاجتماعية لسنا مضطرين لأن نكون “حبايب” الجميع، ويكفي أن نكون “واضحين” الوضوح لا يعني الوقـ.ـاحة، بل يعني وضع مسافات صحية مع من لا نتفق معهم، ومنح الود الحقيقي فقط لمن يستحق.
في النهاية، قد تمنحك الابتسامات الزائفة “لقطة” جميلة أو حضوراً مؤقتاً، لكن الصدق وحده هو ما يبني جسوراً لا تهدمها رياح الخلافات..
فهل نجرؤ على نزع الأقنعة لنرى من هم “حبايبنا” حقاً؟
