مقالات

في عالم السيرك، النمر الأبيض له ثمن، بينما حياة العامل رخيصة

بقلم السيد عيد

في عالم السيرك، حيث يختلط الواقع بالخيال وتصبح الحياة مجرد عرض مسرحي، يبدو أن ثمن النمر الأبيض أصبح أهم بكثير من حياة العامل البسيط. فعندما يتقاضى النمر الأبيض أجراً مضاعفاً لمجرد ظهوره في قفصه اللامع، بينما يُترَك العامل ليواجه مصيره في صمت، تكون الإجابة واضحة: نحن نعيش في زمن أصبحت فيه قيمة الحياة البشرية أقل من ثمن الحيوان المفترس.

في حادثة مروعة ومفاجئة، تعرض أحد العاملين في سيرك البوريفاج بمدينة طنطا لاعتداء وحشي من قبل نمر أبيض، حيث التهم النمر جزءًا من يد العامل أثناء أداء العرض. هذه الحادثة تركت الجميع في حالة من الذهول والرعب، وحولت مساءً من المفترض أن يكون مفرحًا إلى لحظة مليئة بالهلع والدماء.

تُقدر قيمة النمر الأبيض في أسواق السيرك بمبالغ ضخمة قد تتجاوز مئات الآلاف من الدولارات، بل إنه قد يُعتبر بمثابة “الذهب الحي” في عالم الترفيه. حيث تُشترى حياته وحركاته كأداة لزيادة الإيرادات، بينما العامل الذي يضطر للتفاعل مع هذا الكائن الضخم، لا يُقدّر إلا بمقدار رخص ثمنه في نظر إدارة السيرك. فالحيوانات المفترسة لا تملك حياة في نظر المسؤولين بقدر ما تملك “قيمة تجارية” تُسهم في جذب الجمهور، بينما العامل، في أحسن الأحوال، هو مجرد “جزء من العرض” يمكن الاستغناء عنه بسهولة.

ألم يكن العامل، الذي يضع نفسه يومًا بعد يوم في مواجهة حيوانات مفترسة، هو الذي يبني هذا العرض من أجل تسلية الآخرين؟ وهل يستحق العامل الذي يواجه خطر الموت على يد نمر أبيض في كل لحظة، أن يكون ثمنه أقل من ثمن هذا النمر الذي لا يملك سوى أنيابه وكفوفه في إحداث الإثارة؟

في الواقع، يصبح العامل مجرد “خسارة قابلة للتعويض” في نظر بعض أصحاب السيرك، بينما يُعتبر النمر الأبيض “استثمارًا طويل الأجل” لا يمكن التضحية به. قد تتوقف عروض السيرك بسبب إصابة نمر، لكن هل يُوقف العرض إذا أصيب العامل؟ الإجابة، للأسف، ليست في صالح العامل.

في هذا الزمن، يمكن أن نجد أنفسنا في مكان يعكس الفجوة الكبيرة بين قيمة حياة الإنسان وحياة الحيوان، خاصة إذا كان هذا الحيوان يحمل قيمة مالية ضخمة. بينما تُسجل إصابة العامل في السيرك كحالة طارئة تتطلب فقط بعض العناية الطبية، يُنظَر إلى إصابة النمر الأبيض وكأنها كارثة مالية تؤثر على ميزانية العرض. لذلك، يبدو أن الحياة البشرية أصبحت في كثير من الأحيان مجرد إحصائية يتم تجاهلها إذا كانت تعترض طريق “المتعة التجارية

وهكذا، نستمر في العيش في زمن يبدو فيه أن الحياة البشرية بلا ثمن ، لا سيما حياة العامل في السيرك، تساوي أقل من حياة النمر الأبيض. بينما النمر الأبيض يتمتع بمكانة عالية ويكسب آلاف الدولارات، لا يبدو أن هناك أي اهتمام حقيقي بحياة العامل الذي يواجه الموت يوميًا من أجل تلك المتعة، مما يبرز فاجعة في عالم يتحكم فيه المال والمصلحة على حساب الأرواح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى