مقالات

نار الجوع تأكل ورق العلم!

رمضان رجب  

لم تكن النار يومًا عدوَّ الورق، إلا في أزمنة القهر، حين أصبح الحرفُ عِبئًا، والمعرفة ترفًا، والعلمُ وقودًا يُلقى في المواقدِ قبل أن يُلقى في العقول. 

في غزة، حيثُ الحصار يضرب بخناقه على الأنفاس، وحيثُ الجوعُ يحفر الأخاديد في بطون الصغار، صار لا بُدَّ للورق أن ينحني للنار، لا لينير الدروب كما كان، بل ليُبقي على جذوةِ الحياة.

في قاعات الجامعة الإسلامية، حيث اعتادت العقولُ أن تزدحم حول المداد المتدفق من بطون الكتب، أُضرِمت النيرانُ في صفحاتِ الطبِّ والهندسةِ والحديثِ والفقه، لا لتُمحَى سطورُها من الذاكرة، بل لتُبقِي على جسدٍ أنهكهُ الجوع. 

صارت الحروف التي خُطَّت لتُشيدَ بها الحضاراتُ رمادًا يتطايرُ في وجه العالم، ويتسائل: 

أيُّ علمٍ هذا الذي يُحرقُ ليبقىٰ الإنسان؟ أيُّ حضارةٍ هذه التي ترضىٰ أن يُدفنَ الفِكرُ تحت الرماد قبل أن يدفنَ صاحبه؟

هنا، لا تحترق الكتب وحدها، بل تحترق معها القلوب والأحلام التي خُطَّت على هوامشها، والسهرات التي أُضيئت بمصابيحها، والمستقبل الذي وعد به أصحابُها، لكنها – وإن احترقت – لم تخب في الصدور، ولم تُمحَ من العقول، فالنارُ تأكلُ الورق، لكنها لا تأكل الفكرة، والجوع ينهش الأجساد، لكنه لا يقتلُ العزيمة.

في غزة تختلف المعايير، تجد الصمود يحل محل اليأس، وشجاعة الحق تغلب كثرة الظلم، فقد تُحرق الكتب اليوم، لكنَّ ما خُطَّ فيها سيُعاد كتابته غدًا، بمداد صبرٍ، وبحبرٍ من دمٍ حتىٰ الرمق الأخير وإن لزمَ الأمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى