علمي

تصنيع المطر: بين إنقاذ الأرض واستخدامه كسلاح خفي

بقلم : جمال حشاد

في عالم يزداد فيه الجفاف وتتصاعد فيه آثار تغيّر المناخ، ظهر “تصنيع المطر” أو ما يُعرف بـ”الاستمطار الصناعي” كحلّ تكنولوجي واعد لتلبية حاجات البشرية من المياه. لكن، كما هو الحال مع أغلب الاختراعات العلمية، فإن لهذه التقنية وجهان: وجه يسعى للخير، وآخر قد يُستخدم في الصراعات الدولية كنوع من “السلاح الخفي”.

في العقود الأخيرة، تطورت التكنولوجيا بشكل مذهل حتى وصلت إلى محاولة التحكم في الطقس، ومن بين أبرز الابتكارات في هذا المجال ما يُعرف باسم “تصنيع المطر” أو “الاستمطار الصناعي”، وهو تدخل بشري في العمليات الطبيعية لتحفيز هطول الأمطار. لكن هذا التقدم العلمي أثار العديد من التساؤلات، من بينها: هل يمكن أن يُستخدم تصنيع المطر كسلاح ضد الدول؟

ما هو الاستمطار الصناعي؟

الاستمطار الصناعي هو عملية تهدف إلى زيادة كمية الأمطار أو الثلوج عن طريق رش مواد كيميائية (مثل يوديد الفضة أو الملح) في السحب باستخدام الطائرات أو الصواريخ. تؤدي هذه المواد إلى تحفيز تكوّن البلورات الجليدية داخل السحب، مما يزيد من احتمالية تساقط الأمطار.

وقد بدأت هذه التقنية في التطور منذ أربعينيات القرن الماضي، وجرى استخدامها في عدة دول، مثل:

الصين: التي تُعد من أكبر الدول استخدامًا لهذه التقنية، خاصة خلال المناسبات المهمة أو لمواجهة الجفاف.

الإمارات: تستثمر بشكل كبير في مشاريع الاستمطار لمواجهة ندرة المياه.

الولايات المتحدة: أجرت تجارب في هذا المجال منذ سنوات طويلة.

هل يمكن استخدام الاستمطار كسلاح؟

السؤال الأكثر إثارة للقلق هو: هل يمكن للدول استخدام تقنية تصنيع المطر أو التحكم في الطقس كأسلوب للحرب؟

1. حرب الطقس – مفهوم واقعي؟

يُطلق على هذه الفكرة اسم “التحكم في الطقس لأغراض عسكرية”، وقد تم استخدامها بالفعل سابقًا، مثل:

عملية Popeye: خلال حرب فيتنام، استخدمت الولايات المتحدة تقنية الاستمطار لإغراق الطرق التي يستخدمها العدو.

2. اتفاق دولي لمنع الاستخدام العسكري

بسبب خطورة الفكرة، تم توقيع اتفاقية دولية عام 1977 تُعرف باسم:

> “اتفاقية حظر استخدام تقنيات تغيير البيئة في الأغراض العسكرية أو العدائية (ENMOD)”

وقد وافقت عليها أكثر من 70 دولة، وتمنع استخدام تقنيات مثل الاستمطار أو الزلازل أو الأعاصير كأدوات حرب

ما هي المخاطر؟

رغم الفوائد المحتملة للاستفادة من الاستمطار في الزراعة أو مكافحة الجفاف، إلا أن هناك مخاوف عديدة:

تغيير في توازن الطقس بين الدول، فاستمطار الغيوم في منطقة قد يحرم منطقة أخرى من الأمطار.

أضرار بيئية محتملة بسبب المواد الكيميائية المستخدمة.

إثارة صراعات دولية إذا شكت دولة أن دولة أخرى “سرقت” أمطارها.

هل تصنيع المطر حقيقة أم خيال علمي؟

تصنيع المطر أصبح حقيقة علمية، ولكنه ليس تقنية سحرية تتحكم بالكامل في السماء. بل هو تحفيز للعمليات الطبيعية، ويعتمد نجاحه على عوامل مثل:

نوع السحب

الرطوبة

درجة الحرارة

وبالتالي، لا يمكن استخدامه في كل وقت أو في كل مكان، مما يجعل فكرة “شن حرب مطرية” أمرًا محدودًا تقنيًا ومعقدًا سياسيًا.

نعم، يمكن تصنيع المطر جزئيًا باستخدام تقنيات الاستمطار، وقد تُستخدم هذه التقنيات في أغراض بيئية وزراعية مفيدة. لكن استخدامها كـ سلاح ضد الدول يظل محاطًا بالقيود الأخلاقية والقانونية والدولية. ومع ذلك، يظل التحكم في الطقس سلاحًا محتملاً مستقبليًا في حروب غير تقليدية، خاصة في ظل سباق الدول نحو التسلح التكنولوجي.

في النهاية

لا، لا يمكن أن يُصنع المطر أو يحدث أي شيء في الكون بدون قدرة الله وإرادته.

كل ما يقوم به الإنسان من محاولات لتعديل الطقس أو “استمطار السحب” هو في حقيقته استخدام للأسباب التي خلقها الله وسخّرها للإنسان، ولكن النتيجة النهائية بيد الله وحده. فالله سبحانه يقول:

> “وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين” (التكوير: 29)

“اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ” (الروم: 48)

ما معنى “صناعة المطر” أو “الاستمطار” إذًا؟

الاستمطار هو تقنية بشرية تُستخدم لتحفيز السحب على إنزال المطر، عن طريق رش مواد معينة (مثل يوديد الفضة) داخل السحب، لكنه لا يُنتج سحبًا من العدم، ولا يصنع ماء من الهواء الجاف.

فالإنسان:

لا يستطيع أن يخلق سحابة.

ولا أن يضمن سقوط المطر.

ولا أن يتحكم بتحرك الرياح.

كل ذلك خاضع لإرادة الله وتقديره، والإنسان فقط يستخدم ما أذن له الله به من علم وتجربة.

خلاصة:

الإنسان قد يسعى، ويخطط، ويبتكر، لكن الله هو المُنزل للمطر، وهو المُمسك به، ولا يحدث شيء إلا بمشيئته. فحتى محاولات “صناعة المطر” لا تنجح إلا إذا شاء الله لها النجاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى