علماء يحذرون: الشباب يشعرون بالتعاسة بشكل متزايد

كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
في عالم يبدو ظاهريًا أنه يوفر للشباب فرصًا غير محدودة وإمكانيات لا حصر لها، يبرز سؤال مقلق: لماذا يشعر الكثير من الشباب بالتعاسة؟ على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل وسهولة الوصول إلى المعلومات والتواصل، يبدو أن جيل الشباب اليوم يواجه تحديات فريدة تساهم في شعوره بعدم الرضا والتعاسة. إنها ليست مشكلة أحادية الأبعاد، بل هي نتاج تضافر عدة عوامل اجتماعية، اقتصادية، ونفسية.
وبحسب علماء علم النفس، يعد الشباب (في المتوسط) أقلّ الناس سعادة. يتناقص التعاسة مع التقدم في السن، وتزداد السعادة مع التقدم في السن – ويبدو أن هذا التحول بدأ حوالي عام 2017. البالغون في سنّ العمل أسعد من الشباب.
وتم تحديد الأسباب الرئيسية لشعور بالتعاسة
الضغوط الأكاديمية والمهنية
منذ سن مبكرة، يتعرض الشباب لضغوط هائلة لتحقيق التفوق الأكاديمي، مع التركيز الشديد على الحصول على درجات عالية والقبول في جامعات مرموقة. هذا السباق المحموم غالبًا ما يؤدي إلى الإرهاق، القلق، والشعور المستمر بعدم الكفاية. بعد التخرج، تنتظرهم سوق عمل تنافسية للغاية، حيث يجد الكثيرون صعوبة في العثور على وظائف تتناسب مع طموحاتهم أو حتى وظائف توفر لهم الأمان المالي. التوقعات غير الواقعية بشأن النجاح المهني السريع، التي غالبًا ما تروج لها وسائل التواصل الاجتماعي، تزيد من هذا العبء وتخلق إحساسًا بالإحباط عند مواجهة الواقع.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والمقارنة الاجتماعية
تعد وسائل التواصل الاجتماعي سيفًا ذا حدين. فبينما توفر منصات للتواصل والتعبير عن الذات، إلا أنها تخلق بيئة خصبة للمقارنة الاجتماعية السلبية. يرى الشباب صورًا منتقاة بعناية لحياة “مثالية” يشاركها الآخرون، والتي غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع. هذا التعرض المستمر للمقارنات يؤدي إلى الشعور بالنقص، وتدني احترام الذات، والقلق بشأن المظهر، والإنجازات، وحتى الشعبية. الخوف من تفويت الفرص هو أيضًا عامل رئيسي، حيث يشعر الشباب أنهم يفوتون تجارب ممتعة أو إنجازات مهمة يحققها أقرانهم.
غياب اليقين الاقتصادي والمستقبل
يواجه جيل الشباب اليوم حالة من عدم اليقين الاقتصادي لم تشهدها الأجيال السابقة بنفس الحدة. ارتفاع تكاليف المعيشة، صعوبة امتلاك المنازل، وتحديات سوق العمل المتقلبة، كلها عوامل تثير القلق بشأن المستقبل. هذا الافتقار إلى اليقين المالي يمكن أن يؤدي إلى شعور بالعجز وعدم القدرة على التخطيط للحياة بشكل مستقر، مما يساهم في الشعور العام بالتعاسة والإحباط.
الصحة النفسية والوصمة
على الرغم من ازدياد الوعي بالصحة النفسية، إلا أن هناك وصمة عار لا تزال مرتبطة بالبحث عن المساعدة. يعاني الكثير من الشباب بصمت من القلق، الاكتئاب، والاضطرابات النفسية الأخرى، دون أن يشعروا بالراحة في طلب الدعم خوفًا من الحكم أو عدم الفهم. الضغوط المتزايدة في الحياة الحديثة، بالإضافة إلى غياب آليات التأقلم الفعالة، تضع عبئًا كبيرًا على الصحة النفسية للشباب.
البحث عن المعنى والهدف
في عالم سريع التغير، يشعر بعض الشباب بفقدان الاتجاه أو الهدف. مع انهيار بعض القيم التقليدية وبروز تحديات عالمية كبرى مثل تغير المناخ والتوترات السياسية، قد يشعر الشباب باليأس أو العجز عن إحداث فرق. البحث عن معنى أعمق للحياة، والانتماء إلى شيء أكبر من الذات، يمكن أن يكون تحديًا في بيئة مادية وتنافسية للغاية.
إن فهم هذه العوامل المتشابكة هو الخطوة الأولى نحو دعم الشباب في التغلب على مشاعر التعاسة. يتطلب الأمر جهدًا جماعيًا من العائلات، المدارس، الحكومات، والمجتمعات لخلق بيئة أكثر دعمًا، حيث يمكن للشباب أن يزدهروا ليس فقط أكاديميًا ومهنيًا، بل أيضًا عاطفيًا ونفسيًا.