د. فرج العادلي
بعد أن تحدثت عن صديق السوء،
في هذا المقال سأتناول الصديق صاحب الآثار الجانبية، ولقد اخترت هذا العنوان لأبين أنني لا أتحدث عن صديق عادي إطلاقا، بل عن صديق يشبه الدواء في حياتك بل لحظاتك، ولا ينكر أنسان عاقلٌ قيمة الدواء، وأهمية الدواء في حياة البشرية جمعاء، وهذا الصديق المعني بالحديث: هو كالدواء أهمية، وكالماس قيمة، وكالغيث نفعا وإفادة.
وتعريفه: أنه أول شخص يخطر ببالك عند الشدائد؛ لتستغيث به، أو تحكي له.
غير أن هذا الصديق له آثار جانبية مما قلت مثل آثار الدواء تماما بتمام، ومن هنا يجب علينا أن نقف قليلا مع هذه الآثار بطرح بعض الأسئلة الصريحة.
الأول: هل هذه الآثار خفيفة ووقتية؟ أم هي دائمة وشديدة.
الثاني: هل هذه الآثار متنوعة ومختلفة أم ثابتة متكررة، وراسخة؟
والآن مع تحليل هذه الأسئلة
فإن كانت آثاره خفيفة، ووقتيه، فينبغي أن لا نفقده أبدًا، وأن نتعايش معه ونستمتع به، بل نستشفي بصحبته ونتداوى بمجالسته، لأنه أولا وآخرا هو دواء، والدواء لا يستغنى عنه كما قلنا سلفا، ولعلمنا أيضا أنه لا يوجود إنسان كامل إلا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذلك يقول الحكيم : أخاك لا تلمه على شعث، فأي الرجال المهذب؟!
يقصد أن كل الناس لهم زلات، وهفوات، وكبوات، وأشياء ليست متوقعة البتة.
ولعلمنا أيضا أن كل أنسان خطاء والصديق إنسان فواجب أن يكون خطاء وأنا وأنت وكل البشر،
وهنا ينبغي علينا أن نلتمس العذر في كل مرة سبعين مرة، وشرطها: أن لا نطلب تبريرها وتوضيحها، لأنها إذا وضحت لنا لم نكن قتها ممن التمس العذر، بل ممن قبل العذر بعد توضيحه، وعفا بعد تبريره، وارتاح بعد تطييبه، وهذا عبء لا نسطيع أداءه في كل وقت،وهذه الدائرة لا تصلح بين روحين، فهل يبرر الإنسان لنفسه ويشرح لها، ويظل يلاحقها؟! لكن التماس العذر: هو أن نخمن في نفوسنا شيئا ما؛ لنمرر له هذا الفعل، ونتجاوز عن هذه الخصومة، ونغفر له هذه الزلة، ونعيد المياه المتدفقة لمجاريها، عفوا ومسامحة طبعا.
أما إن كانت آثار هذا الدواء (الصديق) شديدة، ودائمة، فينغي علينا وقتها أن نفتح الجراح برفق، وحكمة الطبيب الماهر، ونصارح بعضنا مصارحة الأم للابن ونخبره أن هذه الأشياء لا نطيقها، وأنها صارت مؤلمة ومتعبة، ومرهقة، وصارت تفسد قيمة الدواء الذي نطلب به الشفاء، لأنه في هذه الحال هو طُعم وليس دواء، فكل التطعيمات هي في الأصل للتداوي، لكن أعراضها شديدة، ومتعبة، ومرهقها، وتحتاج إلى مسكنات في كل عدد.ٍ من الساعات، ولذلك لا تؤخذ التطعيمات إلا للضرورة القصوى.
فعلينا وقتها فتح هذه الملفات، ومحاولة إنقاذ هذه السفينة من الغرق، لأن سفينة الصداقة العميقة غالبا ما تكون مبحرة في أعالي البحار، وأعماق المحيطات، فإذا غرقت فلن يستطع مخلوق إيجادها أو حتى إخراجها، ولو حدثت معجزة وتم إخراجها سيكون بعد تشويهها، وحدوث خلل كبير في أنظمتها، ولن تعود لحالتها، لكن يمكن لانتفاع بها على قدر طاقتها،
نعود فنقول: فينبغي علينا فتح هذه الملفات، ونتحدث فيها، ونعطي أنفسنا فرصة، فأن تعدل الحال وتبدل فليحمد الإنسان ربه، وإلا وجب الهجر، وللهجر شروطٌ
منها تذكر الصحبة، والصداقة، والعشرة، وهذا يجعلنا نغادر باحترام، وبلطف، وبأسلوبٍ لا يجرح، وهذا مهم حتى لا نخرج من دائرة الصداقة لدائرة النفاق بلا واسطة، فمن علامات النفاق الفجر في الخصومة، ونسيان الأيام الطيبة.
لكن التعايش مع مثل هذه الصداقة انتحار بكل المقاييس، فليبحث الإنسان عن صديق آثاره خفيفة، ووقتية، ولا يقل إنسان لا حاجة لي بصديق؛ لأن جميع الأنبياء، وكانوا طبعا أصحاب معجزات، وخوارق عادات، ويستطيعون فعل كل شيء، لكن جعل الله تعالى لهم صديقا فسبحان الله.
هل يمكن أن تعرف لنا الصديق؟
نعم عرفناه سلفا ويمكن أن نعرفه مرة أخرى.
فالصديق: هو الذي يتنازل لك عن واجباته وعن كثيرٍ من غايته، ويسرع ويلبي النداء، وينبغي أن تكون أنت كذاك.
أما من يمهلك، ويعتذر لك، ويرجو منك دائما مراعاة ظروفه وأحواله العادية، وتكون سببا في تقصيره نحوك، أو تقصيرك نحوه، فهذا ليس صديقا قطعا، حتى وإن ظنها صداقة، فهي في الحقيقة علاقة !
هل يمكن أن تدلنا على علامة بارزة في هذا الصديق الدواء؟
نعم الصديق الدواء الصديق يكون لك عونا وأخا، بل تستطيع أن تخبره بما لا تخبر به زوجتك أو تخبر به الصديقة زوجها،
فينبغي علينا البحث بكل قوة عن هذا الصديق، فالصديق رفيق، وهل يعقل أن تسافر، وتقطع المفاوز بغير رفيق
ويمكن أن تجده في أقرب الناس إليك فأعد النظر، وكرره، وإن كان عندك منه فهنيئا لك.
يتبع…
