جمال حشاد
يُعد التسونامي واحدًا من أعنف الظواهر الطبيعية وأكثرها تدميرًا، إذ ينتج عن زلازل بحرية أو انزلاقات أرضية أو ثوران بركاني تحت سطح الماء، ويؤدي إلى أمواج عالية وسريعة تجتاح السواحل. وعلى الرغم من ارتباط كلمة “تسونامي” غالبًا بالمحيط الهادئ والمحيط الهندي، فإن البحر الأبيض المتوسط ليس بمنأى عن هذه الظاهرة.
هل يحدث تسونامي في البحر المتوسط؟
نعم، البحر المتوسط شهد عبر تاريخه عدة موجات تسونامي، بعضها كان مدمرًا. من أشهر هذه الحوادث:
تسونامي الإسكندرية عام 365م: نجم عن زلزال قوي بالقرب من جزيرة كريت، وسبب دمارًا كبيرًا في السواحل المصرية، خصوصًا مدينة الإسكندرية، حيث غرقت أجزاء كبيرة من المدينة.
تسونامي 1908 في مضيق مسينا (إيطاليا): تبعه زلزال مدمّر راح ضحيته حوالي 100 ألف شخص، واعتُبر أحد أسوأ الكوارث الطبيعية في أوروبا في القرن العشرين.
لماذا قد يحدث تسونامي في البحر المتوسط؟
رغم صغر حجم البحر المتوسط مقارنة بالمحيطات، إلا أنه يقع في منطقة نشطة زلزاليًا، بسبب تلاقي الصفائح التكتونية مثل الصفيحة الإفريقية والأوراسية. هذا التلاقي يسبب زلازل قوية قد تؤدي إلى حدوث تسونامي.
كذلك، توجد في قاع البحر المتوسط مناطق انزلاق أرضي تحت المياه (Submarine Landslides) وبراكين نشطة مثل بركان سترومبولي، مما يزيد من احتمالية حدوث تسونامي.
هل يشكل خطرًا على الدول العربية؟
بعض الدول العربية المُطلة على البحر المتوسط، مثل مصر، ليبيا، الجزائر، تونس، وسوريا، معرضة نسبيًا لخطر التسونامي، خصوصًا المدن الساحلية. مصر على وجه التحديد سبق وأن تضررت في العصور القديمة. لكن بفضل تطور نظم الرصد المبكر وتحسن البنية التحتية، فإن احتمال تقليل الأضرار في حال وقوع تسونامي أصبح أعلى.
جهود التنبؤ والاستعداد
يعمل النظام الأوروبي لرصد التسونامي على مراقبة النشاط الزلزالي في البحر المتوسط، كما تم إنشاء أنظمة تحذير مبكر على السواحل الأكثر عرضة للخطر. كذلك، تتعاون دول المنطقة في إعداد خطط استجابة طارئة وتدريب فرق الإنقاذ.
رغم ندرة حدوث تسونامي في البحر المتوسط مقارنة بالمحيطات الكبرى، إلا أن وجود الخطر لا يمكن تجاهله. الوعي العام، والاستعداد المبكر، والتعاون الإقليمي تبقى عوامل حاسمة لحماية الأرواح والممتلكات من أي موجات تسونامي محتملة في المستقبل
الآثار المحتملة لتسونامي في البحر المتوسط
في حال حدوث تسونامي، فإن الأضرار لا تقتصر فقط على الغرق والانهيارات، بل تشمل:
خسائر بشرية كبيرة بسبب الكثافة السكانية العالية في المدن الساحلية.
أضرار بالغة بالبنية التحتية مثل الموانئ، الجسور، والمنازل القريبة من الشاطئ.
تلوث مياه الشرب بسبب اختلاطها بمياه البحر المالحة.
تعطيل شبكات الكهرباء والمواصلات، مما يعقد عمليات الإنقاذ.
أضرار بيئية مثل تدمير الشعاب المرجانية والمزارع السمكية.
التغير المناخي وزيادة الخطر
رغم أن التسونامي ليس ناتجًا عن تغير المناخ، إلا أن ارتفاع منسوب مياه البحار بفعل الاحتباس الحراري قد يزيد من تأثير التسونامي في المستقبل. فكلما ارتفع مستوى البحر، أصبحت المناطق الساحلية أكثر عرضة للغمر والتدمير، حتى بأمواج صغيرة نسبيًا.
دور التوعية والتدريب المجتمعي
من أهم عوامل تقليل أضرار التسونامي هو نشر التوعية المجتمعية. فعلى السكان أن يعرفوا علامات قرب حدوث تسونامي، مثل:
تراجع مفاجئ لمياه البحر.
حدوث زلزال قوي بالقرب من الساحل.
سماع أصوات غريبة أو هدير قادم من البحر.
ويجب تدريب الناس على الإخلاء السريع، والانتقال إلى مناطق مرتفعة، والالتزام بتعليمات الدفاع المدني.
التكنولوجيا والتنبؤ المبكر
تمتلك العديد من الدول الأوروبية والمطلة على البحر المتوسط الآن أجهزة استشعار بحرية لرصد حركة القشرة الأرضية تحت البحر، وأجهزة قياس الأمواج في أعماق البحر، وهي متصلة بنظم إنذار مبكر تُطلق تحذيرات في غضون دقائق من رصد أي نشاط غير طبيعي.
منظمة اليونسكو، من خلال اللجنة الدولية الحكومية المعنية بالتسونامي (ICG/NEAMTWS)، تدعم هذه الجهود وتساعد الدول في وضع خطط الطوارئ.
نظرة مستقبلية
مع ازدياد الكثافة السكانية والتوسع العمراني في المناطق الساحلية، يصبح من الضروري الاستثمار في:
تحصين المدن الساحلية ضد الكوارث الطبيعية.
تعزيز التعاون الإقليمي بين دول البحر المتوسط.
دمج خطط الطوارئ في السياسات الحكومية.
تعليم الطلاب مبكرًا عن كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية
رغم أن البحر الأبيض المتوسط ليس من المناطق المعروفة بكثرة التسونامي مثل المحيط الهادئ، فإن الخطر لا يزال قائمًا، ولو بنسب أقل. ويكمن الحل في الاستعداد لا الانتظار، عبر تطوير أنظمة الإنذار المبكر، وتثقيف السكان، وبناء مجتمعات قادرة على الصمود في وجه الكوارث. إن فهم طبيعة البحر وتحركاته هو الخطوة الأولى نحو حماية حياة الملايين الذين يعيشون على ضفافه.
