الفن التشكيلي لغة تنطق بالجمال

كتب : جمال حشاد
في زخم الحياة اليومية، وسط الضوضاء والسرعة واللهاث خلف لقمة العيش، يظل الفن التشكيلي أحد أهم وسائل التعبير الصامتة، التي تبوح بما يعجز اللسان عن قوله، وتحمل بين ألوانها وهمسات فرشاتها رسائل إنسانية، ثقافية، وتاريخية خالدة.
تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين
منذ فجر التاريخ، عرف المصري القديم أهمية الصورة والرمز والخط. من النقوش على جدران المعابد إلى جداريات مقابر وادي الملوك، أسس الفراعنة أول مدرسة للفن التشكيلي في العالم. هذا التراث الممتد ألهم أجيالاً لاحقة من الفنانين المصريين، وجعل من مصر مركزًا إقليميًا للفنون.
الفنان المصري.. صوت الوطن وجماله
برزت في مصر أسماء لامعة في عالم الفن التشكيلي مثل محمود سعيد، وإنجي أفلاطون، وصلاح طاهر، وجاذبية سري وغيرهم. كانت لوحاتهم تحمل نبض الوطن، تنقل معاناة الناس، وتعكس قضاياهم الاجتماعية والسياسية.
اليوم، يواصل الفنانون المعاصرون هذه المسيرة، كلٌ بأسلوبه، مستخدمين مدارس فنية متعددة مثل الواقعية، التجريدية، السريالية، وغيرها، ليُترجموا الواقع بلغة لا تعرف الكلام، بل تعتمد على اللون والشكل والظل والنور.
أين يقف الفن التشكيلي الآن؟
رغم وجود مواهب شابة واعدة، إلا أن الفن التشكيلي يواجه تحديات عديدة، منها:
ضعف التغطية الإعلامية.
قلة المعارض العامة.
غياب ثقافة الفن البصري بين الشباب.
تركيز الجمهور على الفن التجاري والمهرجانات.
لكن هناك أيضًا بشائر أمل، أبرزها دعم الدولة للفن من خلال مؤسسات مثل أكاديمية الفنون، وصالون الشباب، ومعارض الأوبرا، بالإضافة إلى المبادرات الطلابية والفنية المستقلة التي تسعى لنشر الوعي الجمالي.
دور المؤسسات التعليمية والثقافية
لا يمكن الحديث عن مستقبل الفن التشكيلي دون الإشارة إلى دور المدارس، الجامعات، وقصور الثقافة في تنمية الذائقة الفنية لدى الأجيال الجديدة.
ورغم بعض الجهود الرسمية، لا يزال تعليم الفنون في المراحل التعليمية المختلفة يعاني من تهميش واضح، سواء في قلة عدد الحصص أو في ضعف الإمكانيات والمعلمين المتخصصين.
وقد أطلقت بعض الجامعات والمعاهد الفنية مبادرات جيدة، مثل إقامة معارض دورية لطلبة كليات الفنون الجميلة والتربية الفنية، لكن هذه الجهود تحتاج إلى دعم إعلامي وتوسع مجتمعي يجعلها أكثر تأثيرًا وانتشارًا.
الفنان الشاب.. بين الموهبة والصعوبات
الفن التشكيلي.. جسر بين الثقافات
في ظل تصاعد الحوار بين الحضارات، يُعد الفن التشكيلي من أهم وسائل التواصل التي تتجاوز اللغة والدين والجغرافيا.
وقد شهدت السنوات الأخيرة مشاركة قوية لفنانين مصريين في معارض دولية، من باريس إلى دبي، ومن بينالي البندقية إلى ملتقيات الفن العربي.
هذه المشاركات تعزز صورة مصر كدولة منتجة للفكر والإبداع، وتفتح الباب أمام الديبلوماسية الثقافية التي تروج لصورة مصر الناعمة في الخارج.
رسالة الفن لا يموت
الفن التشكيلي ليس ترفًا، بل هو غذاء للروح، ومرآة تعكس قضايا المجتمع وتاريخه ومشاعره.
قد تُهمل اللوحة اليوم، لكن سيأتي الغد ليعيد قراءتها من جديد، ويدرك أن خلف الألوان صرخة حب، أو ألم، أو حلم بوطن أجمل.
فلنمنح الفن مكانته، ولنعلّم أبناءنا أن الجمال فِكر.. والفرشاة قد تكتب ما تعجز عنه الكلمات.