مقالات

هل بدأ عصر شراكة تحدى الغرب فى الصراع على النظام العالمى الجديد ؟

جمال حشاد 

مع تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، بات من الواضح أن العالم يشهد تحولات قد تعيد تشكيل النظام العالمى الجديد الذي ساد لعقود تحت الهيمنة الغربية، وتحديدًا الأمريكية. ما يحدث اليوم على مسارح السياسة الدولية لا يُعد مجرد خلافات مؤقتة، بل مؤشرات واضحة على بروز نظام عالمي متعدد الأقطاب، تقوده قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، وتتفاعل فيه قوى إقليمية كالهند وتركيا والبرازيل بطريقة غير مسبوقة.

أمريكا… تراجع تنسيق أوراقها السياسية

الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصدّرت المشهد العالمي منذ نهاية الحرب الباردة، تواجه اليوم تحديات على جبهات عدة: صراع اقتصادي شرس مع الصين، توتر عسكري وسياسي مع روسيا في أوكرانيا، وتراجع النفوذ الاستراتيجي فى مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا. ومع تعاظم الخطاب الداخلي الأمريكي الداعي للتركيز على الشؤون المحلية وتقليص التدخلات الخارجية، يُطرح تساؤل جدي: هل بدأت واشنطن تفقد قبضتها على قيادة العالم فى ظل النظام العالمى الجديد ؟

الصين وروسيا وشراكة تحدي القوى الغربية

الصين، بثقلها الاقتصادي والعسكري، تطرح نفسها كقوة بديلة تسعى لقيادة العالم من خلال مشاريع كـ”الحزام والطريق”، وتحالفات مثل “بريكس” و”منظمة شنغهاي”. أما روسيا، فعلى الرغم من الضغوط الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا، لا تزال تمارس نفوذًا سياسيًا وعسكريًا يثبت أنها لاعب رئيسي في صياغة التوازنات الدولية.

واللافت هو التقارب الاستراتيجي بين موسكو وبكين، والذي بات يشكل جبهة مضادة للنظام الغربي، تُنادي بإعادة توزيع النفوذ وفق مبدأ “الاحترام المتبادل للسيادة” ومناهضة العقوبات الأحادية.

المنظمات الإقليمية تعيد تشكيل المعادلة

إلى جانب القوى الكبرى، برزت تكتلات إقليمية تحاول كسر احتكار القوى التقليدية للقرار الدولي، مثل مجموعة “بريكس+”، ومنتدى شنغهاي، وحتى محاولات دول الخليج والشرق الأوسط بناء سياسة خارجية أكثر استقلالية. تلك التكتلات تُعيد رسم التحالفات، وتمنح صوتًا أكبر لدول الجنوب في القضايا الدولية.

هل يتفكك النظام الليبرالي العالمي؟

النظام الليبرالي العالمي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية – والقائم على حرية التجارة، والديمقراطية، والتعددية – يواجه اليوم انتقادات متزايدة من دول ترى أنه خدم مصالح معينة على حساب العدالة الدولية. ومع تراجع الثقة بالمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدولي، تتعالى الدعوات لإصلاح شامل يعكس موازين القوى الجديدة.

إلى أين يتجه العالم؟

المرحلة الراهنة هي مرحلة انتقالية، يتداخل فيها القديم بالجديد، وتتضارب فيها المصالح الكبرى مع التطلعات الوطنية للدول الصاعدة. ما من نظام بديل واضح حتى الآن، لكن المؤكد أن العالم يبتعد شيئًا فشيئًا عن “أحادية القطب” نحو “تعددية معقدة”، حيث لا قوة واحدة تقرر مصير الجميع.

يبقى السؤال المطروح: هل ستقود هذه التحولات إلى توازن أكثر عدالة، أم إلى فوضى جديدة تشعل صراعات واسعة؟ الإجابة ما زالت مرهونة بتطورات السنوات القليلة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى