مقالات

قوتنا الناعمة تغط في سبات عميق!

كتبت/ رانيا ضيف

حين يزور الأجانب والمشاهير مصر لأول مرة، تخرج من أفواههم جملة متكررة: “لم نتخيل أن مصر بهذا الجمال!”. هذه العبارة، رغم بساطتها، تختصر مشكلة عميقة تعاني منها مصر لعقود: نحن لا نعرف كيف نسوّق لأنفسنا، بل الأسوأ من ذلك، نحن عباقرة في تشويه صورتنا بأيدينا!

السادة القائمين على وزارتي الإعلام والسياحة، لا يكفي أن تمتلك بلدًا رائعًا مليئًا بالتاريخ والثقافة، بل الأهم أن تعرف كيف تعرضه للعالم. الدول التي تملك القليل صنعت الكثير، بينما نحن، ورغم ما نملكه من كنوز، أصبحنا مرآة مشوّهة لأنفسنا.

انظر إلى الدراما المصرية!

هل قدّمت صورة مشرّفة عن مصر؟ هل جعلت المشاهد الأجنبي يتمنى زيارتها؟

للأسف، معظم الإنتاج الفني في السنوات الأخيرة ركّز على إبراز أسوأ ما في المجتمع، تحت شعار زائف هو “نقل الواقع”! لكن أي واقع هذا؟

نحن جميعًا نعلم أن مصر ليست فقط عشوائيات، وجرائم، ومخدرات، وانحرافات، ولكن هذا ما يُقدَّم للعالم وكأنه الحقيقة المطلقة.

في المقابل، انظر إلى الدراما التركية.

تقريبًا لا يخلو مسلسل تركي من مشاهد ساحرة لاسطنبول، مصحوبة بعبارات مثل: “إسطنبول أجمل مدينة في العالم”، “إسطنبول بلد الحب”، “لا يوجد مثل إسطنبول في أي مكان آخر”.

وهذه العبارات تتكرر مرارًا حتى ترسّخت في أذهان الناس، والنتيجة  أن ملايين العرب حلموا بزيارتها ووضعوها بالفعل أعلى قائمة البلدان للسياحة. رغم أن كثيرًا من المدن العربية والإفريقية تفوقها جمالًا! لكنه الإعلام الجيد الهادف وتأثيره يا عزيزي!

أذكر صديقة يمنية اعتادت أن تجوب العالم في العطلات الصيفية بصحبة زوجها وأطفالها، تحدثت عن أبرز البلدان التي أعجبتها ثم توقفت عند ذكر مصر، وقالت: هذه الدولة الوحيدة التي نخرج فيها دون صحبة زوجي، لا نخاف أبدا في مصر.

نتحرك وكأننا في بلدنا، نستمتع بالمشي في شوارعها دون أي قلق، لا يسمح لي زوجي في كل البلاد التي زرناها بالنزهة دون أن يصحبنا

إلا مصر  نتحرك فيها بلا قيود وبلا خوف.

نستمتع جدا ونحن في مصر!

هل فطن إعلامنا لإبراز هذا الملمح المهم؟!

الإعلام، سواء الدراما أو الأخبار، لم يكتفِ بعدم التسويق الجيد لمصر، بل كثيرا ما لعب دورًا سلبيا في التعبير عنها. الصورة التي تُصدَّر عن مصر في الإعلام، خاصة في بعض المسلسلات والأفلام، ترسمها كبلد يعج بالمشاكل والفوضى، في حين أن الواقع مختلف تمامًا.

والضحية الأولى لهذا التشويه هو المواطن المصري. هذا المواطن الكادح، الذي يسعى لرزق أولاده بشرف في كل الظروف، يجد نفسه يدفع ثمن هذه الصورة المشوّهة. حتى إذا سافر خارج مصر، يُفاجَأ بنظرة متحيزة عنه، مستمدة مما يُعرض في الإعلام.

هلا تتبنى الدولة مشروعا ثقافيا تدفع فيه الكتّاب والمثقفين والمفكرين والأدباء لمشروع قومي تتضافر فيه الجهود وتعمل على إنتاج أعمال درامية وسينمائية تعكس التنوع المصري الحقيقي، وتُظهر الجانب المشرق للمجتمع!

تحرص فيه على تقديم مصر كما تفعل الدول الأخرى، بمزيج من الواقع الإيجابي والخيال الجاذب، بدلًا من التركيز على السلبيات فقط.

بحيث تعمل على تطوير السياحة الإعلامية، من خلال الترويج المستمر للأماكن الجميلة في مصر، بنفس الأسلوب الجاذب الذي تستخدمه تركيا ودول أخرى.

النتيجة ستكون تعزيز الفخر بالهوية المصرية، وتشجيع كل مصري على أن يكون سفيرًا لوطنه، سواء بالكلمة أو الفعل.

هل يعقل أنني عشت سنوات طويلة  لا أعلم أن بمصر أكبر مصانع لإنتاج الأتوبيسات والتي تصدرها لأكثر من ٦٠ دولة من بينهم إنجلترا وفرنسا! ذاك  الأتوبيس أحمر اللون الطابقين الذي يجوب إنجلترا ويلفت الأنظار إنه صناعة مصرية!

المخجل أنني علمت بتلك المعلومة من برنامج غير مصري!

فأين الإعلام المصري من كل ذلك!

نحن لا نُسَوّق لأنفسنا جيدًا، ننتظر أن يفعلها أحد نيابة عنا طوال الوقت.

يا سادة، إن لم نصنع صورتنا بأنفسنا سيصنعها الآخرون طبقا لرؤاهم وما يخدمهم!

دعوة لاستخدام قوتنا الناعمة بذكاء وبما يدعم مصالحنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى