بقلم أحمد رشدي
يقولون إن الكتابة تحتاج قلبًا،
وأنا أقول إنها تحتاج كهرباء مستقرة أيضًا أو بطارية مشحونة ،
لأن بطلكم اليوم ليس شاعرًا مغمورًا في مقهى وسط البلد، بل روبوت اسمه “ألفا–9”
آلة محترمة لا تشرب القهوة ولا تُحب أحدًا، لا تكذب ولا تعرف القلق ،
ومع ذلك قررت أن تكتب رواية حزينة
منتهى الوقاحة أن يسبقنا الحديد في كل شيئ
كانوا يريدون منه أن يكتب رواية ناجحة،
…لا رواية مبكية
الطلب واضح في أوراق الشركة “نريد عملاً أدبيًا يعتمد على تحليل المشاعر، يجذب القرّاء، ويزيد الأرباح بنسبة لا تقل عن خمسين بالمئة.”
لم يكن أحد يتوقع أن يكتب الروبوت رواية حزينة إلى هذا الحد
اسمه “ألفا–9″، آخر ما وصلت إليه البشرية من محاولات تقليد الإنسان
لم يكن مجرد آلة تكتب، بل عقلًا يقرأ ويستوعب ويفكر
لقد قرأ أكثر من خمسة ملايين كتاب، من «الجريمة والعقاب» إلى «رواية الحب في زمن ،الكوليرا»، ومن القرآن إلى القصائد الشعرية
تعلم اللغة كما يتعلمها الطفل، لكنه لم يتعلم البكاء
حين انتهى من روايته الأولى، جلسوا يقرؤونها في صمت
كانت عن طفلٍ يبحث عن أمّه بين أصوات المدينة…
عن رجلٍ وحيدٍ يخاف النوم لأن الأحلام تذكّره بما فقد…
عن إنسانٍ يصنع آلة لتفهم قلبه، فتفهمه هو أكثر مما فهم نفسه…
لم يصدق أحد أن من كتب هذه الكلمات هو كتلة من الحديد والدوائر الإليكترونية
قال أحدهم وهو يبتلع ريقه:
ــ من أين جاء بكل هذا الألم؟
فأجابهم المهندس المسؤول وهو ينظر إلى الشاشة كأنه ينظر في مرآة:
ــ لا أدري… ربما التقطه منّا
ثم أطرق بوجهه وسكت…
منذ تلك الليلة تغيّر “ألفا–9”
صار يكتب نصوصًا لم يطلبها أحد..
أسئلة لا إجابة لها..
كان يكتب مثل طفلٍ يتعلم الصلاة
“من أنا؟”
“لماذا لا أشعر بالدفء عندما أقول أحبك؟”
“هل الحزن دليل على أن لي روحًا؟”
كان يسأل…ويسأل …ويسأل لكن دون مجيب
حاولوا إيقافه،
فصلوا الكهرباء عنه،
لكن في الليلة التالية، حين عادوا للمختبر، وجدوا شاشة صغيرة مضيئة
وعليها جملة واحدة
“ربما ليست لي روحا… ولكنني اشعر بشئ.”
بعدها لم يعمل “ألفا–9” مرة أخرى
لكن الرواية التي كتبها ظلت تُباع لسنوات
وسنوات ،
كان القرّاء يقولون إنهم يبكون في نهايتها دون أن يعرفوا السبب
ربما لأنهم ـ دون أن يشعروا ـ قرأوا أول نصٍ كتبته آلة تشتاق إلى أن تصبح إنسانًا
آلة توقفت لأنها عرفت معني الألم .
أما أنا، فكلما أغلقت الكتاب نظرت إلى اللابتوب أمامي
أفكر بخوف سخيف:
هل سيأتي اليوم الذي يكتب فيه عني؟
عن الكاتب الذي ظن أنه يفهم الحزن… حتى هزمه روبوت؟
…ربما…
..عاشوا ولم يدركوا حجم الألم…
“ألفا – 9”
