نجده محمد رضا
في أعماق غابات أمريكا الشمالية، حيث يلتقي الغموض بسحر الطبيعة، ظهر كائن فطري أثار دهشة العلماء والمصورين على حد سواء.
إنه فطر الأسنان النازف (Hydnellum peckii)، الفطر الذي يبدو وكأنه ينزف دمًا حقيقيًا من قلبه الأبيض الثلجي!
مشهد لا يُصدق
ينمو هذا الفطر المثير بين جذوع أشجار الصنوبر والتنوب في الغابات الرطبة، ويميل للظهور في الولايات المتحدة وكندا خلال فصل الصيف وحتى أوائل الخريف.
سطحه الأبيض المسامي تكسوه قطرات حمراء لامعة تشبه الدم، ما يمنحه مظهرًا غريبًا أقرب إلى الجروح الحية. هذه القطرات ليست دمًا، بل عصارة تحتوي على صبغات عضوية طبيعية يفرزها الفطر أثناء النمو.
من الغابات إلى أقمشة الحرير
رغم مظهره المخيف، فإن هذا الفطر يُعد كنزًا فنيًا طبيعيًا. إذ تُستخلص من عصاراته أصباغ نادرة تُستخدم في صبغ الحرير الطبيعي وأقمشة أخرى، وتمنحها ألوانًا فريدة تتراوح بين الوردي الغامق والنبيذي العميق.
وقد استُخدم هذا النوع من الصبغات قديمًا في المنسوجات اليدوية، قبل أن تظهر الأصباغ الكيميائية الحديثة، مما يجعله شاهدًا حيًا على عبقرية الطبيعة في صناعة الألوان.
خطر لا يُؤكل
رغم جماله الآسر، إلا أن فطر الأسنان النازف غير صالح للأكل طعمه مرّ جدًا ويحتوي على مركّبات كيميائية قد تسبب اضطرابات في المعدة.
لهذا يحذّر العلماء من لمسه أو تناوله، ويكتفى بدراسة خصائصه البيئية والصبغية.
أهمية علمية متزايدة
يدرس الباحثون اليوم مكوّنات هذا الفطر بدقّة، إذ تبيّن أن صبغاته قد تكون مضادة للبكتيريا ومقاومة للأشعة فوق البنفسجية، ما قد يمهّد لاستخدامها في صناعة الأقمشة المقاومة للضوء ومواد التجميل الطبيعية.
كما يُعتبر هذا الفطر عنصرًا مهمًا في النظام البيئي، لأنه يساعد على تحليل المواد العضوية في التربة، ما يثري الغابات بالعناصر الغذائية.
من بين آلاف أنواع الفطريات التي تعيش في غابات العالم، يظل فطر الأسنان النازف أحد أكثرها غموضًا وجاذبية. يجمع بين مظهر مرعب وجمال خلاب، ويُثبت أن الطبيعة قادرة على تحويل حتى أبسط الكائنات إلى لوحة فنية تنبض بالحياة.
