نجده محمد رضا
في عمق الواحات وبين جذوع النخيل الشاهقة، تُستخرج مادة عجيبة تُعرف باسم «اللافمي»
أو كما يسميها البعض «عصارة النخيل»، وهي سائل طبيعي لزج يثير فضول الباحثين والأطباء معًا.
لا تُستخرج هذه المادة بسهولة، بل تتطلب مهارة خاصة من جامعيها الذين يعرفون تمامًا كيف يستخلصونها دون أن يتلفوا قلب النخلة، رمز الحياة في الصحراء.
ما هو اللافمي؟
اللافمي هو مادة سائلة شفافة تميل إلى اللون الذهبي الفاتح، تخرج من قلب النخلة بعد جرح بسيط في الجذع أو من خلال عملية طبيعية في مواسم معينة. تُعرف هذه المادة بتركيبتها الغنية بالسكريات والأحماض العضوية والإنزيمات النادرة، التي تجعلها من أكثر إفرازات النبات تميزًا في العالم العربي والإفريقي.
رحلة استخراج اللافمي
تبدأ الرحلة مع صعود الفلاح إلى أعلى جذع النخلة في الصباح الباكر، حيث تُفتح فتحة دقيقة في قلب الجذع لتبدأ العصارة بالتساقط ببطء داخل أوعية من الفخار أو الخشب.
تُجمع هذه المادة خلال ساعات محدودة فقط، إذ إنها تتلف سريعًا إذا تعرّضت للهواء أو الشمس، لذلك تُحفظ في الظل أو تُبرد فورًا للحفاظ على قيمتها.
الاستخدامات الشعبية والعلمية
منذ قرون، استخدم أهل الواحات اللافمي كدواء طبيعي لعلاج اضطرابات المعدة وتنقية الجسم من السموم، كما كان يُستعمل كـ”مقوٍّ طبيعي” يزيد من النشاط والحيوية.
لكن المفاجأة أن الأبحاث الحديثة بدأت تكشف أن اللافمي يحتوي على مركبات مضادة للأكسدة تساعد في تجديد الخلايا ومقاومة الالتهابات، بل إن بعض المختبرات تدرسه حاليًا كمصدر محتمل لإنتاج مواد تجميل طبيعية ومكملات غذائية.
هل يحتوي اللافمي على مواد مخدّرة؟
سؤال يتبادر إلى ذهن الكثيرين والإجابة العلمية واضحة:
اللافمي في حالته الطبيعية لا يحتوي على أي مواد مخدّرة أو مركبات تسبب الإدمان، بل هو عصارة نباتية غنية بالسكريات والإنزيمات النافعة.
لكن يجب الانتباه إلى أن اللافمي إذا تُرك لفترة طويلة دون حفظ أو تبريد، خاصة في الأجواء الحارة قد يتعرض لعملية تخمّر طبيعية
تنتج عنها نسبة بسيطة من الكحول الطبيعي، مثلما يحدث في العصائر أو الفواكه المختمرة.
ولهذا ينصح الخبراء باستهلاكه طازجًا فور استخراجه لضمان فوائده وسلامته.
طعم لا يُنسى وسر في كل قطرة
طعم اللافمي مزيج غريب بين العسل الطازج ورحيق الزهور البرية، ورغم أنه يُشرب أحيانًا طازجًا، إلا أن كثيرين يفضلون إضافته إلى المشروبات أو الأغذية التقليدية، خاصة في مناطق الصحراء الكبرى وجنوب مصر والسودان.
تهديد الندرة
ورغم قيمته العالية، إلا أن اللافمي أصبح نادرًا بسبب تناقص أعداد النخيل القديمة، وتغير أنماط الزراعة والمناخ. فكل نخلة لا يمكن أن تُستخرج منها العصارة إلا مرات قليلة، بعدها تضعف وقد تموت.
يحذر الخبراء من الاستغلال المفرط لهذه الثروة الطبيعية التي تُعد جزءًا من التراث البيئي العربي.
يبقى “اللافمي” أكثر من مجرد سائل نباتي إنه رمز للتوازن بين الإنسان والطبيعة، ودرس في كيفية استخراج النفع دون الإضرار بالأصل.
