بقلم: أ.د. روحية الشريف
أستاذ الروماتيزم والمناعة بكلية الطب/جامعة المنيا
وإستشاري الروماتيزم والأمراض المناعيه بمستشفي سلامات بالمملكة العربية السعودية
“بسرعه البرق يهاجم، وببطء يشوه… إنه مرض التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis)، ذلك العدو المناعي الذاتي المزمن الذي لا يكتفي بإحداث الألم والتورم في مفاصل الجسم، بل يسعى لتدميرها وتشويهها بشكل دائم أن لم يتم تشخيصه بسرعه وعلاجه مبكرا. على عكس الاعتقاد الشائع بأنه مجرد آلام عظام، يُعد الروماتويد مرضاً جهازياً معقداً يُهدد قدرة المريض على الحركة والعيش بشكل طبيعي.
يُظهر هذا التقرير آليات هذا المرض الغامض، بدءاً من أسبابه غير المعلومة مروراً بأعراضه المتناظرة والمميزة، وصولاً إلى أخطر مضاعفاته المتمثلة في التشوهات العظمية والإعاقة الحركية، لنكتشف كيف أصبحت جهود التشخيص المبكر والتدخل الدوائي المكثف هي خط الدفاع الأول لإنقاذ المفاصل والحفاظ على جودتها .”
مرض التهاب المفاصل الروماتويدي
(Rheumatoid Arthritis – RA)
اولا اسبابه
هو مرض مناعي ذاتي ومزمن، يهاجم فيه جهاز المناعة أنسجة الجسم السليمة بالخطأ، وخاصة بطانة المفاصل (الغشاء الزلالي). يؤدي هذا الهجوم إلى التهاب وتورم وألم في المفاصل، يمكن أن يتسبب تلفاً شديداً في المفاصل والأنسجة المحيطة بها، وقد يؤثر أيضاً على أعضاء أخرى في الجسم مثل الرئه والجلد والقلب والعين وغيرها.
أولا….أسباب المرض…
حيث أن …
السبب الدقيق لالتهاب المفاصل الروماتويدي غير معروف حتى الآن. يُعتقد أنه ناتج عن مزيج من العوامل الوراثية والبيئية التي تؤدي إلى خلل في الجهاز المناعي:
أ-إضطراب المناعة الذاتية (Autoimmune Disease): هو السبب الرئيسي حيث يهاجم الجهاز المناعي بطانة المفاصل(الغشاء الزليلي)
ب- الاستعداد الوراثي: وجود تاريخ عائلي للإصابة بالمرض يزيد من خطر الإصابة، خاصةً جينات معينة مثل مستضدات كريات الدم البيضاء البشرية (HLA).
Epidemiology
1- الجنس: النساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال (بنسبة 2-3 مرات).
2- العمر: ذروة الإصابة تكون بين سن 30 و 50 عامًا، لكنه قد يصيب أي عمر.
3- التعرض لملوثات بيئية معينة مثل غبار السيليكا (Silica).
ثانيا…. الأعراض الشائعة
تتميز الأعراض بكونها متناظرة (تصيب نفس المفصل على جانبي الجسم)، وتمر بفترات نشاط وفترات هدوء.
تشمل الأعراض الرئيسية ما يلي:
1- ألم وتورم المفاصل: خاصة في المفاصل الصغيرة لليدين (الرسغين والأصابع) والقدمين.
2- تيبس المفاصل الصباحي: وهو عرض مميز، حيث يستمر التصلب وصعوبة الحركة لمدة أكثر من نصف ساعه بعد الاستيقاظ من النوم.
3- التعب والإرهاق الشديد (Fatigue): والشعور العام بالضعف أو الوهن.
4-أعراض جهازية: مثل الحمى الخفيفة، وفقدان الشهية، وفقدان الوزن.
5-العقيدات الروماتويدية (Rheumatoid Nodules): وهي كتل صغيرة صلبة تحت الجلد، غالبًا ما تتكون حول المفاصل المصابة، خاصةً المرفقين.
ثالثا… التشوهات العظمية والإعاقة الحركية
نعم، للروماتويد تأثير كبير ومباشر على التشوهات العظمية والإعاقة الحركية، خاصةً في حال تأخر التشخيص أو عدم تلقي العلاج المناسب.
1- تآكل المفاصل: الالتهاب المزمن يؤدي إلى تآكل الغضروف الذي يعمل كوسادة للمفصل، وتآكل العظام تحت الغضروف، مما يسبب ضررًا لا يمكن علاجه.
2- التشوهات المفصلية: بمرور الوقت، ومع تلف الأنسجة والأربطة المحيطة، قد تنحني المفاصل وتتشوه، فتخرج عن شكلها الطبيعي. ومن أشهر التشوهات التي تحدث في اليدين:
– الإعاقة الحركية: تؤدي التشوهات والألم وتيبس المفاصل إلى تقييد نطاق الحركة، وصعوبة في أداء الأنشطة اليومية البسيطة مثل الكتابة، حمل الأشياء، المشي، أو صعود الدرج، مما قد يؤدي إلى إعاقة وظيفية وفقدان القدرة على العمل.
رابعا….مشاكل أخرى (المضاعفات)
الروماتويد هو مرض جهازي قد يؤثر على أجزاء أخرى من الجسم:
1-هشاشة العظام (Osteoporosis): نتيجة للمرض نفسه واستخدام بعض الأدوية الستيرويدية.
2- مشاكل في القلب والأوعية الدموية: مثل زيادة خطر الإصابة بتصلب الشرايين واحتشاء عضلة القلب (النوبة القلبية).
3- الرئتين: التهاب ورشح بأنسجة الرئ.
4- العيون: جفاف العين، والتهاب صلبة العين (Scleritis).
5- الجهاز العصبي: متلازمة النفق الرسغي (Carpal Tunnel Syndrome) أو اعتلال الأعصاب الطرفية.
خامسا…. العلاج والوقاية من الروماتويد
لا يوجد علاج ثابت لمرضي الروماتويد المفصلي ولكن الطبيب يقوم بتفصيل العلاج وفقا لحاله المريض الصحيه فكل مريض يختلف عن الاخر في الخطه العلاجيه الخاصه به حيث أن الهدف من العلاج ليس فقط تسكين الالم ولكن الهدف الرئيسي هو توقف نشاط المرض ومنع تآكل المفاصل مع الحفاظ على القدرة الحركية والوظيفية٠ وحتي لا يؤثر المرض علي أعضاء اخري كما ذكر من قبل .
أ. العلاج الدوائي (Medical Therapy)
1- الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs):
– تُستخدم لتخفيف الأعراض بسرعة، مثل الألم والتورم.
وهذه الادويه تستخدم ككبري في بدايه المرض فقط إلي أن تقوم الادويه الرئيسيه بالعمل لأنها تؤخذ وقت لكي تعمل ولذلك نقوم بافهام المريض بأنها ادويه مؤقته
2- الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids):
تُستخدم للسيطرة السريعة على الالتهاب الحاد وتقليل النشاط المرضي، غالبًا كـ “جسر” بانتظار أن تبدأ الأدوية الأخرى في العمل كما ذكر من قبل.
3- الأدوية المضادة للروماتويد (DMARDs):
الهدف: هي العلاج الأساسي الذي يجب البدء به مبكراً؛ فهي تعمل على تثبيط الجهاز المناعي وتقليل الالتهاب على المستوى الخلوي، مما يمنع التلف الهيكلي وزياده التشوهات.
4- العلاجات البيولوجية
(Biologics) (Biologic DMARDs):
أ- تُستهدف بروتينات محددة (مثل سيتوكينات الالتهاب) أو خلايا مناعية محددة (مثل الخلايا البائية).
ب. العلاجات المساعدة (Supportive Therapy)
1- العلاج الطبيعي (Physical Therapy):
* يشمل تمارين محددة لـ الحفاظ على مرونة المفاصل، وزيادة مدى الحركة، وتقوية العضلات المحيطة بالمفصل لزيادة الدعم والثبات.
2- العلاج الوظيفي (Occupational Therapy):
* يُركز على إيجاد طرق لتسهيل المهام اليومية (مثل الكتابة، ارتداء الملابس، استخدام الأدوات) مع وجود قيود حركية، وقد يشمل استخدام الأجهزة المساعدة.
ج- الجراحة (Surgery):
* تُعد حلاً أخيراً في حال التلف الشديد والتشوهات التي تعيق الوظيفة التي تحدث للمريض نتيجه لاهماله في أخذ العلاج أو المتابعه في عياده الروماتيزم.
اخرا وليس اخيرا نجد ان
المتابعة الطبية الدورية والكشف المبكر في عياده الروماتيزم والبدء الفوري بالعلاج هو أفضل وقاية لمنع التشوهات والإعاقة.
في الختام، يمثل مرض الروماتويد تحدياً صحياً مزمناً يتطلب وعياً مجتمعياً واسعاً، لا سيما فيما يتعلق بخطورته التي تتجاوز مجرد آلام المفاصل لتصل إلى الإعاقة الحركية والتشوهات الدائمة في حال الإهمال. حيث ان التطور الهائل في الأدوية المضادة للروماتيزم المعدلة لسير المرض (DMARDs) والعلاجات البيولوجية، قد حول مسار المرض من حكم بالإعاقة إلى حالة يمكن السيطرة عليها وإبقاء المريض في حالة ممتازه لسنوات طويلة.
يبقى المفتاح الذهبي في يد المريض نفسه: التعاون الوثيق مع طبيب الروماتيزم، والتشخيص في المرحلة المبكرة، والالتزام التام بالعلاج ونمط الحياة الصحي.
ففي معركة الروماتويد، كل يوم مبكر في العلاج هو مكسب ضد التلف، وخطوة نحو حياة خالية من قيود المرض.
