بقلم /سارة الليثي
لم يكن الليل صديقاً لي تلك المرة كما اعتدت دوماً أن أحيك فيه مغامراتي وخططي المستقبلية، ولكن في تلك الليلة تقلبت فوق فراشي طويلاً، يطاردني وجع في ساقي وركبتي إثر حادث ألم بي بلا سابق إنذار؛ فسرق مني كل أمل في أي نوم عميق، ومع أول خيوط النهار، كنت أتشبث بالأمل ذاته، بعد أن أذعت خبر إصابتي أملاً أن يحرك ذلك مشاعره نحوي؛ فيهرع للاطمئنان عليّ، يمنحني اعترافاً طالما تقت إليه، كنت أترقب مكالمته علها تخفف عني ما بي، كأن صوته وحده قادر على تضميد كل جراحي.
لم أرد أن أستيقظ قبل أن أسمع صوته، لكن الهاتف باغتني باتصالات أخرى، تجاهلتها فما كنت أريد لأي صوت آخر أن يسبق صوته، ظللت في مكاني أدعي نوماً لا يزورني حتى انقضى الصباح، وأضحت شمس الظهيرة في كبد السماء، جاءني صوته أخيراً، أخبرني بضرورة إجراء الأشعة، ثم أنهى المكالمة سريعاً، تاركاً قلبي معلقاً وكلمات على شفاهي لم تُنطق إذ لم ترتشف أذناي ما يحفز تلك الكلمات على الظهور، جمعت ما تبقى لي من قوة ونهضت.
خطواتي كانت أثقل من أن تحملها قدماي، كل خطوة كانت تمثل تحديًا، كأنني أسير فوق زجاج مكسور، عندما خرجت من غرفتي ورآني أبي على هذه الحال أصر أن نذهب إلى المستشفى، تناولت لقيمات على عجل، وذهبنا، وهناك جلست على كرسي متحرك أجوب به أروقة المستشفى، لم تكن ساقي على ما بها لتصمد أمام حملي الثقيل، وتتحرك بي من غرفة لغرفة، كانت أول مرة لي أجلس فيها قعيدة هكذا على كرسي متحرك منذ أن غادرت عربة الأطفال وتعلمت السير على قدميّ.
حتى إنني كنت أأنف أن أركب عربات النقل في أي مشوار أذهب إليه، فخورة بقدميّ التي تحملني إلى كل مكان وأي مكان دون أن أضطر أن أبقى رهينة لزحام المرور وتعطل حركة السير، كان الأمر صعباً عليّ، لقد كان إحساسًا غريبًا أن أُدفع بهذا الشكل، وكأنني دمية لا حول لها ولا قوة، أنصتُ إلى صوت عجلات الكرسي وهي تهمس لي بالضعف الذي اجتاحني، أجريت الأشعة، وجاءت النتيجة مطمئنة، لا كسور، فقط كدمة عنيدة تحتاج إلى الصبر والراحة، تنفست الصعداء، فيما كتب الطبيب وصفة طويلة أتى بها أبي من الصيدلية.
حين عدت من رحلتي تلك، كانت رفيقة الصبا أول من شاركني بعض الدفء، اتصلت بي وأنا أبدل ملابسي، وظللنا نحكي حتى ذاب الوقت بين ضحكات خافتة واعترافات صغيرة، تناولت طعامي بعدها، ثم استسلمت لهاتفي، أتنقل بين الفيسبوك والفيديوهات ورسائل الأصدقاء الذين أغرقوني بالاطمئنان، لكنني، في أعماقي، كنت أترقب شيئاً آخر، انتظرته طويلاً حتى خنقني اليأس، وعندما تجاوزت الساعة منتصف الليل، جاءني صوته أخيراً، لا عبر الهاتف، بل عبر رسالة مقتضبة في الماسنجر، يسألني عن الأشعة وما قاله الطبيب.
قرأت كلماته أكثر من مرة، ثم أغلقت عيني، أواسي نفسي بأن الغد قد يكون أكثر دفئاً، فقد وعد أن يأتي إليّ.
#نوفلمبر
#اكتب_في_نوفلمبر
#احك_في_نوفلمبر
#Novelmber_2025
فكرة التحدي للكاتبة سوسن رضوان
