بقلم السيد عيد
في كل حيّ خصوصًا الأحياء اللي لسه المية بتقطع فيها كل أربعاء يظهر مخلوق غريب اسمه: تمرجي المحبة.
لا هو ممرض، ولا طبيب، ولا حتى عنده شهادة من أي معهد غير معهد “القلوب اللي بتنبض لوحدها”. لكنه واقف في وسط الدنيا كأنه آخر حكيم في سوق مليان جهلاء… وسلاحه الوحيد؟ ابتسامة متغطرسة من فرط الطيبة.
تلاقيه داخل على الجلسة كأنه فاتح عيادة الطوارئ الروحية:
“مين هنا النهارده محتاج حقنة محبّة؟”
طبعًا يسود صمت المرتابين…
فيكسر الصمت ويقرب من أول واحد مكشر:
“إنت… آيوه إنت. عندك احتقان حزن في الملامح… جرعة ضحكة لازم فورًا، قبل ما الحالة تتدهور وتتحول لنكد مزمن.”
الناصحين يقولوا عليه مجنون…
العاقلين يقولوا عليه مبالغ…
لكن الناس اللي اتلسعت من الدنيا عرفت قيمته:
ده الراجل الوحيد اللي بيشخّص الوجع من نبرة السلام عليكم.
ولما حد يسأله: “إنت واخد ده منين؟”
يرد وهو بيعدل ياقة القميص اللي مكوي نصه ونايم نصه:
“ده علم يا بيه… علم المحبّة. ده تخصص.”
لو شاف زوجين متخانقين على مصاريف البيت، يدخل بينهم بثقة وكأنه رئيس لجنة فضّ النزاعات الدولية:
“حضراتكم محتاجين قسط محبّة على ثلاثة شهور. والزعل يدفع نقدي لو سمحتوا.”
ولو شاف شباب قاعدين على القهوة بلا هدف، يقول لهم:
“أصل مرض العصر إن القلب جعان… قوموا اشربوا لمون وتعاملوا مع الدنيا بحنية وابحثوا عن شغل .
الغريب ودي حقيقة علمية لو تحبوا إن معظم ضحاياه… أقصد مرضاه… بيرجعوا بعد أسبوعين شايلين شكر أكبر من همومهم:
“ده كلامك غيرني… بقيت أتحب!”
انا اشتغلت واصبح عندي هدف .
وهو؟ يكبس إيده في جيبه ويطلع ولاعة مش شغالة ويبتسم: “أنا مش بعمل حاجة… دي مهنة. إحنا بنداوي القلوب اللي بترفض الاعتراف إنها محتاجة حد يطبطب.”
الحقيقة إن تمرجي المحبة مش شخص…
ده حالة.
حالة بتظهر كل ما الدنيا تستقوى ووشوش الناس تتجعّد من الهمّ.
حالة بتفكرنا إننا مش آلات، وإن اللي بيصلّح الإنسان مش دواء…
كلمة طيبة، وظهر يتسند عليه، وجرعة سخرية تخلّي الهم يُفرفِر.
فلو قابلته في طريقك…اقعد معاه خمس دقايق.
هيكتب لك روشتة مجانية فيها:
“حبّ… اضحك… سامح… وسيب الدنيا تلف لوحدها.”
ومش بعيد لو نفذت كلامه تلاقي قلبك بقى يتنفس…
وتكتشف إن التمرجي ده كان أصدق طبيب عدى عليك طول حياتك.
