د/ حمدان محمد
تشهد مجتمعاتنا في هذه الأيام أزمة أخلاقية عميقة تتجلى في السلوكيات اليومية التي نراها في الشارع وفي العمل وحتى داخل البيوت أزمة تظهر في ضعف الأمانة وفي انتشار الكذب وفي غياب الرحمة وفي قسوة التعامل بين الناس وكأن القيم التي تربينا عليها بدأت تتراجع رغم أن ديننا الحنيف جعل الأخلاق أساس الإيمان وروحه فقال النبي صلى الله عليه وسلم( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهذا الحديث العظيم يوضح أن رسالته صلى الله عليه وسلم قائمة على إصلاح النفوس وتهذيب السلوك لأن الأخلاق ليست مظهرا خارجيا فقط لكنها عبادة تعبدنا الله بها وهي ميزان صلاح الأمة أو فسادها فكلما علت الأخلاق ارتفع شأن المجتمع وكلما انحدرت هانت الأمة على نفسها وعلى غيرها
ولا تقتصر أزمة الأخلاق على البيع والشراء والمعاملات المادية فقط بل تمتد إلى أدق تفاصيل حياتنا خاصة داخل البيوت وبين الزوجين فالحياة الزوجية لا تستقيم إلا بالأخلاق فالمرأة مطالبة أن تحفظ زوجها في نفسها وأهله وماله وألا تنظر لغيره نظرة محرمة وأن تصون قلبها وبيتها كما قال تعالى فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله والرجل كذلك مأمور بأن يغض بصره ويحترم زوجته ويصونها ولا ينظر لغيرها في الحرام امتثالا لقوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن فالأخلاق هي التي تحفظ البيوت من الانهيار وتمنع الشيطان من الدخول بين الزوجين وتبني مودة ورحمة تدوم مدى الحياة
ومن مظاهر الأزمة أيضا انتشار الغش وقلة الصدق في المعاملات والخصومات التي تحول الأخ إلى عدو والجار إلى خصم كما نرى قلة احترام الكبير وانعدام الرحمة بالصغير وتفكك الروابط الأسرية وتراجع قيمة العمل والإنتاج وهذه كلها دلائل على ابتعاد النفوس عن منهج الله تعالى الذي قال (وإنك لعلى خلق عظيم) في وصف النبي الكريم ليكون قدوة لنا في كل تعامل ولابد أن ندرك أن علاج أزمة الأخلاق يبدأ من داخل الإنسان من قلب واع يراقب الله ويعلم أن كل كلمة يقولها وكل فعل يصدر منه سيحاسب عليه يوم القيامة فالرقابة الحقيقية ليست رقابة بشر لكنها رقابة الإيمان والضمير الحي فمن أصلح قلبه استقامت جوارحه ومن اتقى الله في سره وعلنه صلح أمره كله
كما أن التربية دورها أساسي في مواجهة هذه الأزمة فلابد أن نعود لأولادنا القدوة الحسنة نعلمهم الصدق قبل الكلام والرحمة قبل القوة واحترام الناس قبل طلب احترامهم ونربطهم بالقرآن وبسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وبالقيم التي تحفظ الإنسان من الانحراف والضياع فإن الأخلاق ليست ترفا ولا أمرا ثانويا لكنها أساس بقاء الأمم وقوة المجتمعات ومن دونها نضيع جميعا لذلك فإن العودة للأخلاق هي الطريق الوحيد لنهضة حقيقية تبدأ من إصلاح النفس وتمتد إلى إصلاح المجتمع وحتى تعود لمصرنا الطيبة مكانتها التي تستحقها لابد أن نتمسك بالأخلاق التي أمر الله بها ووجهنا إليها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
أزمة الأخلاق
604
