بقلم : أحمد رشدي
في لحظة فارقة من مسار المشروع الثقافي الأضخم في تاريخ مصر الحديث،
صدر قرار الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بتعيين الدكتور خالد حسن نائبًا للرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير للشؤون الأثرية،
في توقيت تستعد فيه الدولة لوضع اللمسات الأخيرة على صرح يُنظر إليه عالميًا باعتباره أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة.
اختيار يحمل دلالات واضحة على توجه الدولة نحو ترسيخ الإدارة العلمية الرشيدة، وربط الخبرة الأكاديمية العميقة بآليات العمل المتحفي الحديث، بما يضمن تقديم التراث المصري وفق أعلى معايير الجودة والاحتراف.
القرار جاء في إطار خطة شاملة لتطوير منظومة العمل داخل المتحف المصري الكبير، وهو ما أكده وزير السياحة والآثار شريف فتحي رئيس مجلس إدارة المتحف، مشددًا على أن الدفع بكفاءة علمية من وزن الدكتور خالد حسن يستهدف الارتقاء بالأداء المؤسسي، وتعزيز مسارات التطوير بما يواكب مكانة المتحف ودوره العالمي المنتظر.
ينتمي الدكتور خالد حسن إلى جيل من علماء المصريات الذين تشكل وعيهم العلمي داخل جامعة القاهرة، حيث تخرج في كلية الآثار قسم الآثار المصرية، قبل أن يواصل رحلته الأكاديمية بالحصول على درجة الدكتوراه في الآثار المصرية عام 2014 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
مسار علمي اتسم بالثبات والتراكم، تُوّج بالحصول على درجة أستاذ مساعد في تخصص اللغة المصرية القديمة عام 2020، ثم نيل درجة الأستاذية عام 2025، ليُعد اليوم أحد أبرز المتخصصين في الخط الهيراطيقي،
ذلك الفرع الدقيق والمعقد من فروع اللغة المصرية القديمة.
وعلى الصعيد البحثي، يمتلك الدكتور خالد حسن سجلًا علميًا لافتًا، إذ نشر قرابة ثلاثين بحثًا علميًا في مجلات دولية مرموقة، إلى جانب عدد من الكتب العلمية باللغة الإنجليزية التي تناولت تطور اللغة المصرية القديمة ونصوصها وسياقاتها. ولم يقتصر حضوره على النشر، بل امتد إلى شراكات بحثية مع مؤسسات أكاديمية عالمية كبرى، من بينها جامعات السوربون وليدن وأكسفورد ولييج، ما أتاح له التفاعل مع مدارس علمية متنوعة داخل حقل علم المصريات.
كما لعب دورًا مؤثرًا في المجال التحكيمي والعلمي الدولي، حيث يعمل محكمًا لعدد من المجلات العلمية والجامعات المتخصصة، وشارك في مؤتمرات دولية داخل مصر وخارجها، ناقش خلالها أحدث الاتجاهات البحثية في دراسة النصوص واللغات القديمة. ويُحسب له إسهامه الواضح في تدريب وتأهيل جيل جديد من الباحثين على النشر العلمي الدولي،
في وقت بات فيه الحضور في المجلات العالمية معيارًا أساسيًا لتقدم البحث العلمي.
وحصل الدكتور خالد حسن على عدد من المنح البحثية الدولية، من بينها منحة جامعة يوهانس جوتنبرج ماينز بألمانيا، وشارك في بعثات حفائر ومشروعات علمية دولية، أضافت إلى خبرته الأكاديمية بعدًا ميدانيًا مهمًا. كما شغل عضوية لجنة اختيار المعارض الخارجية بوزارة السياحة والآثار، ويشغل عضوية مجلس إدارة الرابطة الدولية لعلماء المصريات، بما يعكس حضوره المؤسسي داخل الأوساط العلمية العالمية.
وفي ملف جودة التعليم والتصنيف الدولي، راكم خبرات متنوعة من خلال عمله باحثًا مشاركًا بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية بين عامي 2017 و2020، وباحثًا مشاركًا بمركز البحوث الأمريكي عام 2022، وهو ما أتاح له الاطلاع على نظم بحثية وإدارية مختلفة،
تُعد بالغة الأهمية في إدارة مؤسسة ثقافية بحجم المتحف المصري الكبير.
ومع توليه منصب نائب الرئيس التنفيذي للشؤون الأثرية، تنتقل خبرة الدكتور خالد حسن من فضاء البحث الأكاديمي إلى قلب الإدارة الأثرية لأهم مشروع ثقافي في الشرق الأوسط، في مرحلة تتطلب مزيجًا نادرًا من المعرفة العلمية والرؤية المؤسسية والقدرة على التعامل مع التراث بوصفه علمًا ورسالة وهوية.
انتقال لا يبدو قفزة مفاجئة، بقدر ما هو تتويج لمسار طويل بدأ من قراءة النصوص القديمة، ويستمر اليوم في المشاركة بصناعة مستقبل عرضها وحفظها أمام العالم.
