بقلم السيد عيد
كلما ظنّ الإنسان أنه اقترب من نهاية المعرفة، اكتشف أنه لم يمسك إلا بطرف الخيط. العلم لا يمنحنا اليقين الكامل، بل يمنحنا الدهشة… والدهشة أول طريق الإيمان. نحدّق في الذرة، فنجدها كونًا مصغرًا، تدور فيه الإلكترونات كما تدور الكواكب، بقوانين صارمة لا تختل. ثم نرفع أبصارنا إلى السماء، فنجد المجرات تتباعد، والنجوم تولد وتموت، وكل شيء يسير في صمتٍ مهيب، كأنه صلاة كونية لا نسمعها. من علّم هذه الجسيمات الصغيرة ألا تصطدم؟ ومن أقنع هذا الكون الهائل أن يطيع معادلة؟ العلم يقول: قانون. وأنا أقول: إرادة.
العلم يشرح كيف تسقط التفاحة، لكنه يقف عاجزًا أمام سؤال: لماذا وُجدت التفاحة أصلًا؟ وهنا يبدأ دور القلب، لا المعمل. انظر إلى النحلة… حاسوب طائر، ومهندسة كيمياء، ومعمارية دقيقة. تعرف طريقها، وتحسب المسافات، وتبني خلايا سداسية لا يخطئها المسطرين. فهل تلقت دورة تدريبية؟ أم أن هناك من أودع فيها علمًا لا نراه؟
العلماء يدرسون عين الإنسان، فيكتشفون أنها كاميرا تفوق أعقد ما صنعوه. عدسة ذاتية الضبط، ومعالج فوري، وشبكة أعصاب تنقل الصورة في أجزاء من الثانية. ثم يقولون في النهاية: تطوّر. وأتساءل: ومن طوّر التطوّر؟
كلما تعمقنا في العلم الحقيقي، لا في غروره، اكتشفنا أننا لسنا آلهة صغارًا، بل تلاميذ في فصل كوني هائل. وكل تجربة معملية صادقة تنتهي بسجدة غير معلنة. المشكلة ليست في العلم، بل في وهم الاكتفاء به. العلم بلا إيمان كشاف في يد أعمى، والإيمان بلا علم عاطفة بلا بوصلة.
الله لم يطلب منا أن نغلق عقولنا، بل أن نفتحها… حتى نصل إلى لحظة الاعتراف: أن وراء هذا النظام عقلًا أعظم، ووراء هذا الجمال قصدًا، ووراء هذا الصمت كلامًا لا يسمعه إلا من أنصت. وحين تصل إلى هذه اللحظة، تفهم أن أعظم العلماء… هم أكثر الناس خشوعًا.
