بقلم السيد عيد
الكلمات ليست حروفًا تُرصّ على السطور، ولا أصواتًا تُقال ثم تمضي، الكلمات كائنات حيّة؛ تولد في القلب قبل أن تخرج من الفم، وتشيخ إن حُبست، وتموت إن قيلت في غير موضعها.
كلمة واحدة قادرة أن تُصلح ما أفسدته سنوات، وأخرى تهدم ما بناه العمر حجرًا حجرًا. كلمة تُقال في لحظة صدق، تظلّ عالقة في الذاكرة كعطر قديم، وأخرى تُقال في ساعة غضب، تظلّ شوكة في الروح لا تُرى لكنها تُؤلم.
نحن لا نخاف السكاكين بقدر ما نخاف الكلمات، لأن الجرح الذي تصنعه السكين يلتئم، أما جرح الكلمة فيتعلم كيف يعيش معنا. نكبر وتكبر معنا، تهمس لنا ليلًا، وتوقظنا صباحًا، وتجلس على أطراف أفراحنا كضيف ثقيل لا يغادر.
الكلمات مرآة أصحابها؛ تكشف أكثر مما تخفي. من أراد أن يعرف إنسانًا، فليستمع إلى كلماته حين يغضب، وحين يعجز، وحين يظن أنه لا يُراقَب. هناك، تسقط الأقنعة، وتتكلم الحقيقة بلا خجل.
وفي المقابل، للكلمات رحمة لا يعرفها إلا من ذاق قسوتها. كلمة تشجيع قد تعيد إنسانًا من حافة اليأس، وكلمة اعتذار صادقة قد تُعيد ترتيب قلبٍ فوضوي، وكلمة “أنا معك” قد تكون وطنًا مؤقتًا لمن لا وطن له.
نُكثر الكلام حتى تفقد الكلمات وزنها، ونُقلّ الصمت حتى يصبح أثقل من الكلام. وبين هذا وذاك، تضيع الكلمات الجميلة، تلك التي تُقال ببطء، وتُفهم بالقلب، وتبقى طويلًا.
ليتنا نُفكّر قليلًا قبل أن نتكلم، لا خوفًا من الناس، بل رحمة بأنفسنا وبهم. فالكلمات، حين تخرج، لا تعود… لكنها تظلّ تعيش.
